قد يُدخلُ رأسَه ولا يَأخذُ الثديَ، وقد يَأخذُ الثديَ ولا يَمصُّ، فلا بُدَّ مِنْ ذِكرِ ما يَدلُّ عليهِ.
وإنْ قالَ:«أشهَدُ أنَّ هذهِ أرضَعَتْ هذا» فالظاهرُ أنه يَكفي في ثُبوتِ أصلِ الرَّضاعِ؛ لأنَّ المَرأةَ التي قالَتْ:«قد أرضَعْتُكما» اكتُفيَ بقَولِها (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ ﵀: وأما الشَّهادةُ على الرَّضاعِ فإنَّ قَومًا قالُوا: لا تُقبلُ فيه إلا شَهادةُ امرَأتينِ، وقَومًا قالُوا: لا تُقبلُ فيه إلا شَهادةُ أربَعٍ، وبه قالَ الشافِعيُّ وعَطاءٌ، وقَومًا قالُوا: تُقبلُ فيه شَهادةُ امرأةٍ واحِدةٍ.
والذينَ قالُوا: تُقبلُ فيه شَهادةُ امرَأتينِ منهُم مَنْ اشتَرطَ في ذلكَ فُشوَّ قَولِهما بذلكَ قبلَ الشَّهادةِ، وهو مَذهبُ مالكٍ وابنِ القاسمِ، ومنهُم مَنْ لم يَشترطْه، وهو قولُ مُطرِّفٍ وابنِ الماجشُونِ.
والذينَ أجازُوا أيضًا شَهادةَ امرأةٍ واحِدةٍ منهُم مَنْ لم يَشترطْ فُشوَّ قولِها قبلَ الشَّهادةِ، وهو مَذهبُ أبي حَنيفةَ -تَقدَّمَ أنه لا يَثبتُ عندَه بشَهادةِ امرأةٍ واحِدةٍ-، ومنهُم مَنْ اشتَرطَ ذلكَ، وهي رِوايةٌ عن مالكٍ، وقد رُويَ عنه أنه لا تَجوزُ فيه شَهادةُ أقلِّ مِنْ اثنتَينِ.
والسَّببُ في اختِلافِهم: أما بينَ الأربَعِ والاثنتَينِ فاختِلافُهم في شَهادةِ النساءِ، هل عَديلُ كلِّ رَجلٍ هو امرَأتانِ فيما ليسَ يُمكنُ فيه شَهادةُ الرَّجلِ، أو يَكفي في ذلكَ امرَأتانِ …
(١) «المغني» (٨/ ١٥٣، ١٥٤)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٥٥٧)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٣٥)، ومطالب أولي النهى» (٥/ ٦١٢).