قالُوا: وقولُه ﷺ: «لا رَضاعَ إلا ما كانَ في الحَولينِ وكانَ في الثَّديِ قبلَ الفِطامِ» ليسَ بأبلَغَ مِنْ قَولِه ﷺ: «لا رِبَا إلا في النَّسيئةِ»، و «إنما الرِّبا في النَّسيئةِ»، ولم يَمنعْ ذلكَ ثُبوتَ رِبا الفَضلِ بالأدلَّةِ الدالَّةِ عليه، فكذا هذا
فأحادِيثُ رَسولِ اللهِ ﷺ وسُنَنُه الثابتةُ كلُّها حقٌّ يَجبُ اتِّباعُها، ولا يُضرَبُ بعضُها ببَعضٍ، بل تُستعملُ كلٌّ مِنها على وَجهِه.
قالُوا: وممَّا يَدلُّ على ذلكَ أنَّ عائِشةَ أمَّ المُؤمنينَ ﵂ وأفقَهَ نِساءِ الأمَّةِ هي التي رَوَتْ هذا وهذا، فهيَ التي رَوتْ:«إنَّما الرَّضاعةُ مِنْ المَجاعةِ»، ورَوتْ حَديثَ سَهلةَ وأخَذَتْ به، فلو كانَ عندَها حَديثُ «إنَّما الرَّضاعةُ مِنْ المَجاعةِ» مُخالِفًا لحَديثِ سَهلةَ لَمَا ذهَبَتْ إليه وترَكَتْ حَديثًا واجَهَها به رَسولُ اللهِ ﷺ وتَغيَّرَ وَجهُه وكَرِهَ الرجلَ الذي رَآهُ عندَها وقالَتْ: «هو أخِي».
قالُوا: وقد صَحَّ عنها أنها كانَتْ تُدخلَ عليها الكَبيرَ إذا أرضَعَتْه في حالِ كِبَرِه أختٌ مِنْ أخواتِها الرَّضاعَ المُحرِّمَ، ونَحنُ نَشهدُ بشَهادةِ اللهِ ونَقطعُ قَطعًا نَلقاهُ به يومَ القِيامةِ أنَّ أمَّ المُؤمنينَ لم تَكنْ لِتُبيحَ سِتْرَ رَسولِ اللهِ ﷺ بحَيثُ يَنتهكُه مَنْ لا يَحلُّ له انتهاكُه، ولم يَكنِ اللهُ ﷿ ليُبيحَ ذلكَ على يَدِ الصدِّيقةِ بنتِ الصدِّيقِ المُبَرَّأةِ مِنْ فوقِ سَبعِ سَماواتٍ، وقد عصَمَ اللهُ سُبحانَه ذلكَ الجَنابَ الكَريمَ والحِمَى المنيعَ والشَّرفَ الرَّفيعَ أتَمَّ عِصمةٍ، وصانَه أعظَمَ صِيانةٍ، وتَولَّى صِيانتَه وحِمايتَه والذبَّ عنه بنَفسِه ووَحيِه وكلامِه.