وقالَ ابنُ تَيميةَ ﵀: ولهذا لمَّا رَأى عُمرُ ﵁ أنَّ المَبتوتةَ لها السُّكنى والنَّفقةُ فظَنَّ أنَّ القُرآنَ يَدلُّ عليه نازَعَه أكثَرُ الصَّحابةِ، فمنهُم مَنْ قالَ: «لها السُّكنى فقطْ»، ومنهُم مَنْ قالَ: «لا نَفقةَ لها ولا سُكنَى»، وكانَ مِنْ هَؤلاءِ ابنُ عبَّاسٍ وجابرُ وفاطِمةُ بنتُ قَيسٍ وهي التي رَوَتْ عن النبيِّ أنه قالَ: «ليسَ لكِ نَفقةٌ ولا سُكنَى»، فلمَّا احتَجُّوا عليها بحُجةِ عُمرَ وهي قولُه تعالَى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: ١] قالَتْ هي وغيرُها مِنْ الصَّحابةِ كابنِ عبَّاسٍ وجابرٍ وغيرِهما: «هذا في الرَّجعيةِ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١)﴾ [الطلاق: ١] فأيُّ أمرٍ يُحدِثُ بعدَ الثَّلاثِ»، وفُقهاءُ الحَديثِ كأحمَدَ بنِ حَنبلٍ في ظاهرِ مَذهبِه وغيرِه مِنْ فُقهاءِ الحَديثِ مع فاطِمةَ بنتِ قَيسٍ (١).
وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في رِوايةٍ إلى أنه يَجبُ للبائنِ وللمُطلَّقةِ ثَلاثًا السُّكنى؛ لقَولِه تعالَى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ [الطلاق: ٦] فكانَ على عُمومِه في الزَّوجاتِ والمُطلَّقاتِ وإنْ كانَ بالمُطلَّقاتِ أخَصَّ؛ لأنَّ ما قبلَها وبعدَها دَليلٌ عليهِ، ولأنها مُعتدةٌ عن طَلاقٍ، فكانَ لها السُّكنى كالرَّجعيةِ.
ورُويَ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ لفُريعةَ بنتِ مالِكٍ -وهي أختُ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ- حينَ أخبَرَتْه أنَّ زوْجَها قُتلَ ولم يَتركْها في مَسكنٍ يَملكُه:
(١) «مجموع الفتاوى» (٣٣/ ٣٢، ٣٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute