٢٠٠٠ - مَسألةٌ: وتَعتدُّ المُتوفَّى عنها والمطلَّقةُ ثلاثًا أو آخِرَ ثَلاثٍ والمُعتَقةُ تَختارُ فِراقَ زوجِها حيثُ أحبَبْنَ، ولا سُكنى لهنَّ، لا على المطلِّقِ ولا على ورثةِ الميتِ ولا على الذي اختارَتْ فِراقَه، ولا نَفقةَ. ولهنَّ أنْ يَحجُجنَ في عدتِهنَّ، وأنْ يَرحلْنَ حيث شِئنَ. وأما كلُّ مُطلقةٍ للذي طلَّقَها عليها الرَّجعةُ ما دامَتْ في العدةِ فلا يَحلُّ لها الخروجُ مِنْ بيتِها الذي كانَتْ فيه إذ طلَّقَها، ولها عليهِ النَّفقةُ والكسوةُ، فإنْ كانَ خوفٌ شديدٌ أو لَزمَها حدٌّ فلها أنْ تَخرجَ حينئذٍ، وإلا فَلا أصلًا لا ليلًا ولا نهارًا ألبتةَ، إلا لضَرورةٍ لا حيلةَ فيها. بُرهانُ ذلكَ: قولُ اللهِ ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ١، ٢]. فهذهِ صفةُ الطلاقِ الرجعيِّ، لا صفةُ الطلاقِ الباتِّ. وأما الطلاقُ الباتُّ فكمَا روينَا مِنْ طريقِ مُسلمٍ أنا محمدُ بنُ المثنَّى أنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهدي أنا سفيانُ الثوريُّ عن سلمةَ بنِ كهيلٍ عن الشعبيِّ عن فاطمةَ بنتِ قيسٍ «عن النبيِّ ﷺ في المطلَّقةِ ثلاثًا ليسَ لها سُكنى ولا نفقةٌ». ولم يَصحَّ في وُجوبِ السُّكنى للمُتوفَّى عنها أثرٌ أصلًا. والمنزلُ لا يخلُو مِنْ أنْ يكونَ مِلكًا للميتِ أو مِلكًا لغيرهِ، فإنْ كانَ ملكًا لغيرِه -وهو مُكترًى أو مباحٌ- فقدْ بطَلَ العقدُ بموتِه، فلا يَحلُّ لأحدٍ سُكناه إلا بإذنِ صاحبِه وطيبِ نفسِه، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ دماءَكم وأموالَكُم عليكُم حرامٌ». وإنْ كانَ مِلكًا للميتِ فقدْ صارَ للغُرماءِ أو للورثةِ أو للوصيةِ، فلا يَحلُّ لها مالُ الغُرماءِ والورثةِ والمُوصَى لهم؛ لِما ذكَرْنا، وإنما لها منه مِقدارُ ميراثِها إنْ كانتْ وارِثةً فقطْ، وهذا برهانٌ قاطعٌ لائحٌ، وما عَدا هذا فظُلمٌ لا خَفاءَ به، وهذا مكانٌ كَثُرَ فيه اختِلافُ الناسِ: فطائِفةٌ قالتْ بقَولِنا كما روينَا مِنْ طريقِ عبدِ الرزاقِ عن ابنِ جريجٍ عن عطاءٍ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ قالَ: «تعتدُّ المبتوتةُ حيثُ شاءَتْ» ثم ذكَرَ الآثارَ التي ذكَرْتُها قبلُ. وقد رَوى الإمامُ مسلمٌ في صَحيحِه عن أبي الزُّبيرِ أنه سَمِعَ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ يقولُ: طلقَتْ خالتِي فأرادَتْ أنْ تَجُدَّ نَخْلَها، فزجَرَها رَجلٌ أنْ تَخرجَ، فأتَتِ النبيَّ ﷺ فقالَ: «بَلَى، فَجُدِّي نَخلَكِ، فإنكِ عَسَى أنْ تَصدَّقِي أو تَفعلي مَعروفًا». فإذا كانَ يَجوزُ للمطلَّقةِ أنْ تَخرجَ مِنْ بيتِها للحاجةِ، وقد أجمَعَ العلماءُ على عَدمِ خُروجِها لغيرِ حاجةٍ، فمِن بابِ أَولى المُتوفَّى عنها زوجُها يَجوزُ لها الخروجُ؛ لأنَّ العُلماءَ اختَلفوا هل تَعتدُّ في بيتِها؟ أو تَعتدُّ كما شاءَتْ كما تقدَّمَ؟ فإذا جازَ في المتفَقُ عليه فالمختلَفُ فيه مِنْ بابِ أَولى، واللهُ أعلَمُ.