للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندَ الزِّيادةِ في الفَرائِضِ والسُّننِ جَميعًا؛ فهذهِ الجُملةُ لا اختِلافَ بينَهم فيها. وإنَّما يختلِفونَ مِنْ قِبَلِ اختِلافِهم فيما هو منها فَرضٌ، أو ليس بفَرضٍ، وفيما هو منها سُنَّةٌ أو ليس بسُنَّةٍ، وفيما هو منها سُنَّةٌ أو رَغيبَةٌ، مثالُ ذلكَ: أنَّ عندَ مالِكٍ ليس يَسجُدُ لِتَركِ القُنوتِ؛ لأنَّه عندَهُ مُستحَبٌّ، ويَسجُدُ لهُ عندَ الشافِعيِّ؛ لأنَّه عندَهُ سُنَّةٌ، وليس يَخفَى عَليكَ هذا مما تَقدَّم القولُ فيهِ من اختِلافِهم بينَ ما هو سُنَّةٌ وبينَ ما هو فَريضةٌ، وبينَ ما هو رَغيبةٌ، وعندَ مالِكٍ وأصحابِه سُجودُ السَّهوِ لِلزِّيادةِ اليَسيرةِ في الصَّلاةِ، وإن كانَت مِنْ غيرِ جِنسِ الصَّلاةِ، ويَنبَغِي أن تَعلَمَ أنَّ السُّنةَ والرَّغِيبةَ هي عندَهم مِنْ بابِ النَّدبِ، وإنَّما تَختَلفانِ عندَهم بالأقَلِّ والأكثَرِ؛ أعنِي: في تَأكيدِ الأمرِ بها، وذلكَ راجِعٌ إلى قَرائنِ أحوالِ تلكَ العِبادةِ، ولذلكَ يَكثُرُ اختِلافُهم في هذا الجِنسِ كَثيرًا، حتى إنَّ بَعضَهم يَرى أنَّ في بعضِ السُّننِ إذا تُرِكَت عَمدًا إن كانَت فِعلًا، أو فُعِلَت عَمدًا إن كانَت تَركًا؛ أنَّ حُكمَها حكمُ الواجِبِ، أعنِي في تَعلُّقِ الإثمِ بها، وهذا مَوجودٌ كَثيرًا لِأصحابِ مالِكٍ، وكذلكَ تَجِدُهم قد اتَّفَقوا ما خَلَا أهلَ الظاهِرِ على أنَّ تاركَ السُّننِ المُتَكَرِّرَةِ بالجُملةِ آثِمٌ، مثلَ ما لو تركَ إنسانٌ الوِترَ أو رَكعتَيِ الفَجرِ دائِمًا؛ فَكَأنَّ العِباداتِ بحَسَبِ هذا النَّظرِ منها ما هي فَرضٌ بعَينِها وجِنسِها، مِثلَ: الصَّلواتِ الخَمسِ، ومنها ما هي سُنَّةٌ بعَينِها، فَرضٌ بجِنسِها، مثلَ الوِترِ ورَكعتَيِ الفَجرِ، وما أشبَهَ ذلك مِنْ السُّننِ، وكذلكَ قد تَكونُ عندَ بعضِهِمُ الرَّغائِبُ رَغائبَ بعَينِها، سُنَنًا بجِنسِها، مثلَ ما حَكَيناهُ عن مالِكٍ من إيجابِ السُّجودِ لِأكثرَ مِنْ تَكبيرةٍ واحدةٍ، أعنِي لِلسَّهوِ عنها، ولا تَكونُ فيما أحسَبُ عندَ هؤلاءِ سُنَّةً بعَينِها وجِنسِها، وأمَّا أهلُ الظاهِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>