وقالَ شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ المَقدسيُّ ﵀: كلُّ امرَأةٍ حاملٍ مِنْ زَوجٍ إذا فارَقَتْ زوْجَها بطَلاقٍ أو فَسخٍ أو مَوتِه حُرةً كانَتْ أو أمَةً مُسلمةً أو كافِرةً فعدَّتُها بوَضعِ الحَملِ؛ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤]، وهذا إجماعُ أهلِ المَدينةِ، إلا أنه رُويَ عن ابنِ عبَّاسٍ وعن عَليٍّ مِنْ وَجهٍ أنَّ المُتوفَّى عنها زَوجُها تَعتدُّ بأطوَلِ الأجَلينِ، وقالَه أبو السَّنابلِ بنُ بَعككٍ في حَياةِ النبيِّ ﷺ فرَدَّ عليهِ النبيُّ ﷺ قولَه، وقد رُويَ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ رجَعَ إلى قَولِ الجَماعةِ لمَّا بلَغَه حَديثُ سُبيعةَ، وكَرِهَ الحَسنُ والشعبيُّ أنْ تنكحَ في دمِها، وحُكيَ عن إسحاقَ وحمَّادٍ أنَّ عدَّتَها لا تَنقضِي حتى تَطهرَ، وأبَى سائرُ أهلِ العِلمِ هذا القَولَ وقالُوا: لو وضَعَتْ بعدَ ساعةٍ مِنْ وَفاةِ زَوجِها حَلَّ لها أنْ تَتزوجَ، ولكنْ لا يَطؤُها زَوجُها حتَّى تَطهرَ مِنْ نِفاسِها وتَغتسلَ؛ وذلكَ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤]، ورُويَ عن أبيِّ ابنِ كَعبٍ قالَ: «قلتُ للنبيِّ ﷺ: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤] للمُطلقةِ ثَلاثًا أو المُتوفَّى عنها زَوجُها؟ قالَ: هيَ للمُطلقةِ ثَلاثًا والمُتوفَّى عنها»، وقالَ ابنُ مَسعودٍ: «مَنْ شاءَ باهَلْتُه أو لاعَنْتُه أنَّ الآيةَ التي في سُورةِ النساءِ القُصرَى ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤] نزَلَتْ بعدَ التي في سُورةِ البقرةِ ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [البقرة: ٢٣٤]» يعنِي أنَّ هذهِ الآيةَ هي الأخيرةُ فتُقدَّمُ على ما خالَفَها مِنْ عُمومِ الآيةِ المُتقدمةِ ويَختصُّ بها عُمومُها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute