للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَأنَّه قاسَ على المَواضِعِ التي سجدَ فيها قبلَ السَّلامِ، ولم يَقِس على المَواضِعِ التي سجدَ فيها بعدَ السَّلامِ، وأبقَى سُجودَ المَواضِعِ التي سجدَ فيها على ما سجدَ فيها؛ فمِن جِهةِ أنَّه أبقَى حُكمَ هذه المَواضِعِ على ما وَرَدت عليهِ، وجعلَها مُتغايِرَةَ الأحكامِ، هو ضَربٌ مِنْ الجَمعِ ورَفعٌ لِلتَّعارُضِ بينَ مَفهومِها، ومِن جِهةِ أنَّه عَدَّى مَفهومَ بعضِها دونَ بَعضٍ، وألحَقَ بهِ المَسكوتَ عنه؛ فذلكَ ضَربٌ مِنْ التَّرجيحِ -أعني: أنَّه قاسَ على السُّجودِ الذي قبلَ السَّلامِ، ولم يَقِس على الذي بعدَه-، وأمَّا مَنْ لم يَفهَم مِنْ هذه الأفعالِ حُكمًا خارِجًا عنها، وقصرَ حُكمَها على أنفُسِها -وهُم أهلُ الظَّاهرِ- فاقتَصرُوا بالسُّجودِ على هذه المَواضِعِ فَقط، وأمَّا أحمدُ بنُ حَنبَلٍ فجاءَ نَظرُه مُختلِطًا مِنْ نظَرِ أهلِ الظاهِرِ ونَظَرِ أهلِ القِياسِ، وذلكَ أنَّه اقتَصرَ بالسُّجودِ كما قُلنا بعدَ السَّلامِ على المَواضِعِ التي وردَ فيها الأثَرُ، ولم يُعدِّهُ، وعَدَّى السُّجودَ الذي وردَ في المَواضِعِ التي قبلَ السَّلامِ، ولِكُلِّ واحدٍ مِنْ هؤلاءِ أدلَّةٌ يُرجِّحُ بها مَذَهبه مِنْ جِهةِ القِياسِ -أعنِي: لِأصحابِ القِياسِ-، والمَواضِعُ الخَمسةُ التي سَها فيها رَسولُ اللهِ أحَدُها: أنَّه قامَ مِنْ اثنَتَينِ على ما جاءَ في حَديثِ ابنِ بُحَينَةَ. والثاني: أنَّه سلَّم مِنْ اثنَتَينِ على ما جاءَ في حَديثِ ذي اليَدينِ. والثالِثُ: أنَّه صلَّى خَمسًا على ما في حَديثِ ابنِ عمرَ، خرَجهُ مُسلِمٌ والبُخاريُّ. والرابِعُ: أنَّه سلَّم مِنْ ثَلاثٍ على ما في حَديثِ عِمرانَ بنِ الحُصَينِ. والخامِسُ: السُّجودُ عن الشَّكِّ على ما جاءَ في حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدرِيِّ، وسيأتي بَعدُ، واختَلَفوا: لماذا يجبُ سُجودُ السَّهوِ؟ فقيلَ: يجبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>