قالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ ﵀: اختَلَفوا في مَواضِعِ سُجودِ السَّهوِ على خَمسةِ أقوالٍ: فذَهَبتِ الشافِعيَّةُ إلى أنَّ سُجودَ السَّهوِ مَوضِعُهُ أبَدًا قبلَ السَّلامِ، وذَهب الحَنفيَّةُ إلى أنَّ مَوضِعَه أبَدًا بعدَ السَّلامِ، وفرَّق المالِكيَّةُ فقالوا: إن كانَ السُّجودُ لِنُقصانٍ كانَ قبلَ السَّلامِ، وإن كانَ لِزيادةٍ كانَ بعدَ السَّلامِ. وقالَ أحمدُ بنُ حَنبَلٍ: يَسجُدُ قبلَ السَّلامِ في المَواضِعِ التي سجدَ فيها رَسولُ اللهِ ﷺ قبلَ السَّلامِ، ويَسجُدُ بعدَ السَّلامِ في المَواضِعِ التي سجدَ فيها رَسولُ اللهِ ﷺ بعدَ السَّلامِ؛ فما كانَ مِنْ سُجودٍ في غيرِ تلكَ المَواضِعِ يَسجُدُ لهُ أبَدًا قبلَ السَّلامِ. وقالَ أهلُ الظَّاهرِ: لا يَسجُدُ لِلسَّهوِ إلا في المَواضِعِ الخَمسةِ التي سجدَ فيها رَسولُ اللهِ ﷺ فقط، وغيرُ ذلك إن كانَ فَرضًا أتَى بهِ، وإن كانَ نَدبًا فليس عليه شيءٌ؛ والسَّببُ في اختِلافِهم أنُّهُ ﵊ ثَبت عنه أنَّه سجدَ قبلَ السَّلامِ، وسجدَ بعدَ السَّلامِ، وذلكَ أنَّه ثَبت من حَديثِ ابنِ بُحَينَةَ أنَّه قالَ: «صلَّى لنا رَسولُ اللهِ ﷺ رَكعتَينِ، ثم قامَ فلم يَجلِس، فقامَ النَّاسُ معه، فلمَّا قَضى صَلاتَه سجدَ سَجدتَينِ وهو جالِسٌ»، وثَبت أيضًا أنَّه سجدَ بعدَ السَّلامِ في حَديثِ ذي اليَدينِ المُتقدِّمِ؛ إذ سلَّم مِنْ اثنَتَينِ، فذَهب الذينَ جَوَّزوا القياسَ في سُجودِ السَّهوِ -أعني: الذينَ رَأَوا تَعدِيةَ الحُكمِ في المَواضِعِ التي سجدَ فيها ﵊ إلى أشباهها في هذه الآثارِ الصَّحيحةِ- ثَلاثةَ مَذاهبَ: أحَدُها: مَذهبُ التَّرجيحِ. والثاني: مَذهبُ الجَمعِ. والثالِثُ: مَذهبُ الجَمعِ والتَّرجِيحِ. فمَن رجَّح حَديثَ ابنِ بُحينَةَ قالَ: السُّجودُ قبلَ السَّلامِ، واحتَجَّ لذلكَ بحَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ الثابِتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute