وقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: أنها تَحرمُ عليهِ باللعانِ تَحريمًا مُؤبَّدًا، فلا تَحِلُّ له وإنْ أكذَبَ نفْسَه في ظاهرِ المَذهبِ، ولا خِلافَ بينَ أهلِ العِلمِ في أنه إذا لم يُكذبْ نفْسَه لا تَحِلُّ له، إلا أنْ يَكونَ قَولًا شاذًّا.
وأما إذا أكذَبَ نفْسَه فالذي رَواهُ الجَماعةُ عن أحمَدَ أنها لا تَحلُّ له أيضًا، وجاءَتِ الأخبارُ عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ وعليِّ بنِ أبي طالبٍ وابنِ مَسعودٍ ﵃ أنَّ المُتلاعنَينِ لا يَجتمِعانِ أبدًا، وبه قالَ الحسَنُ وعَطاءٌ وجابرُ بنُ زَيدٍ والنخَعيُّ والزُّهريُّ والحَكمُ ومالكٌ والثَّوريُ والأوزاعيُّ والشافِعيُّ وأبو عُبيدٍ وأبو ثَورٍ وأبو يُوسفَ.
وعن أحمَدَ رِوايةٌ أخرَى: إنْ أكذَبَ نفْسَه حلَّتْ له وعادَ فِراشُه بحالِه، وهي رِوايةٌ شاذَّةٌ شَذَّ بها حَنبلٌ عن أصحابِه، قالَ أبو بَكرٍ: لا نَعلمُ أحَدًا رَواها غيرَه، ويَنبغِي أنْ تُحمَلَ هذه الروايةُ على ما إذا لم يُفرِّقْ بينَهُما الحاكِمُ، فأما مع تَفريقِ الحاكِمِ بينَهُما فلا وجْهَ لبَقاءِ النكاحِ بحالِه، وقد ذكَرْنا أنَّ مَذهبَ البَتيِّ أنَّ اللعانَ لا يَتعلقُ به فُرقةٌ، وعن سَعيدِ بنِ المُسيبِ: إنْ أكذَبَ نفْسَه فهو خاطِبٌ مِنْ الخُطَّابِ، وبه قالَ أبو حَنيفةَ ومُحمدُ بنُ الحَسنِ؛ لأنَّ فُرقةَ اللعانِ عندَهما طَلاقٌ، وقالَ سَعيدُ بنُ جُبيرٍ: إنْ أكذَبَ نفسَه رُدَّتْ إليه ما دامَتْ في العدَّةِ.
ولنَا: ما رَوى سَهلُ بنُ سَعدٍ قالَ: «مَضَتِ السُّنةُ في المُتلاعنَينِ أنْ يُفرَّقَ بينَهُما ثم لا يَجتمعانِ أبَدًا» رواهُ الجَوزَجانِيُّ في كتابه بإسنادِه، ورُوي مثلُ