وأمَّا الزَّمانُ فبَعدَ العَصرِ؛ لقولِ اللهِ تعالَى: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، وأجمَعَ المُفسِّرونَ على أنَّ المُرادَ بالصَّلاةِ صَلاةُ العَصرِ، قالَ أبو الخطَّابِ: في مَوضعٍ أو بينَ الأذانَينِ؛ لأنَّ الدُّعاءَ بينَهُما لا يُرَدُّ.
والصَّحيحُ الأولُ، ولو استُحبَّ ذلكَ لفَعلَه النبيُّ ﷺ، ولو فعَلَه لَنُقلَ ولم يَسُغْ له تَركُه وإهمالُه.
وأما قَولُهم:«إنَّ النبيَّ ﷺ لاعَنَ بينَهُما عندَ المِنبَرِ» فليسَ هذا في شَيءٍ مِنْ الأحاديثِ المَشهورةِ، وإنْ ثبَتَ هذا فيَحتملُ أنه كانَ بحُكمِ الاتِّفاقِ؛ لأنَّ مَجلسَه كانَ عندَه فلاعَنَ بينَهُما في مَجلسِه.
فإنْ كانَ اللِّعانُ بينَ كافرَينِ فالحُكمُ فيه كالحُكمِ في اللِّعانِ بينَ المُسلمينَ، ويَحتملُ أنْ يُغلَّظَ في المَكانِ؛ لقولِه في «الأيمانِ»: «وإنْ كانَ لهُم مَواضعُ يُعظِّمونَها ويَتوقَّونَ أنْ يَحلفُوا فيها كاذِبينَ حُلِّفوا فيها»، فعَلى هذا يُلاعَنُ بينَهُما في مَواضعِهم اللاتِي يُعظِّمونَها، النَّصرانِيُّ في الكَنيسةِ، واليَهوديُّ في البَيعةِ، والمَجوسيُّ في بَيتِ النارِ، وإنْ لم يَكنْ لهم مَواضِعُ يُعظِّمونَها حَلَّفهم الحاكِمُ في مَجلسِه؛ لتَعذُّرِ التغليظِ بالمَكانِ.
وإنْ كانَتِ المُسلمةُ حائِضًا وقُلنَا:«إنَّ اللِّعانَ بينَهُما يَكونُ في المَسجدِ» وقفَتْ على بابِه ولم تَدخلْه؛ لأنَّ ذلكَ أقرَبُ المَواضعِ إليهِ (١).
(١) «المغني» (٨/ ٦٨، ٦٩)، ويُنظَر: «الإنصاف» (٩/ ٢٣٩)، و «كشاف القناع» (٥/ ٤٥٨)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٥٥٦، ٥٦٧)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٥٣٥)، و «منار السبيل» (٣/ ١٤٦)، و «النجم الوهاج» (٨/ ١٠٧، ١١٠)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٧٠، ٧٢)، و «تحفة المحتاج» (٩/ ٧٣٣، ٧٣٤)، و «نهاية المحتاج» (٧/ ١٣٧).