وقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: ويُستحبُّ أنْ يَتلاعنَا قِيامًا، فيَبدأُ الزوجُ فيَلتعنُ وهو قائمٌ، فإذا فَرغَ قامَتِ المَرأةُ فالتَعنتْ وهي قائِمةٌ؛ لِما رُويَ عن النبيِّ ﷺ أنه قالَ لهِلالِ بنِ أُميَّةَ:«قُمْ فاشهَدْ أربَعَ شَهاداتٍ»، ولأنه إذا قامَ شاهَدَه الناسُ فكانَ أبلَغَ في شُهرتِه، فاستُحبَّ كَثرةُ الجَمعِ، وليسَ ذلكَ واجِبًا، وبهذا كلِّه قالَ أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ، ولا أعلَمُ فيهِ مُخالِفًا.
فَصلٌ: قالَ القاضِي: ولا يُستحبُّ التَّغليظُ في اللعانِ بمَكانٍ ولا زَمانٍ، وبهذا قالَ أبو حَنيفةَ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى أطلَقَ الأمرَ بذلكَ ولم يُقيِّدْه بزَمانٍ ولا مَكانٍ، فلا يَجوزُ تَقييدُه إلا بدَليلٍ، ولأنَّ النبيَّ ﷺ أمَرَ الرَّجلَ بإحضارِ امرأتِه ولم يَخُصَّه بزَمنٍ، ولو خَصَّه بذلك لَنُقلَ ولم يُهمَلْ.
وقالَ أبو الخطَّابِ: يُستحبُّ أنْ يَتلاعنَا في الأزمانِ والأماكنِ التي تُعظَّمُ، وهذا مَذهبُ الشافِعيِّ، إلا أنَّ عندَه في التغليظِ بالمَكانِ قَولينِ:
أحَدُهما: أنَّ التغليظَ به مُستحبٌّ كالزَّمانِ.
والثاني: أنه واجِبٌ؛ لأنَّ النبيَّ ﷺ لاعَنَ عندَ المِنبَرِ، فكانَ فِعلُه بَيانًا للعانِ، ومعنَى التَّغليظِ بالمَكانِ أنهُما إذا كانَا بمَكةَ لاعَنَ بينَهُما بينَ الرُّكنِ والمَقامِ؛ فإنه أشرَفُ البِقاعِ، وإنْ كانَا في المَدينةِ فعندَ مِنبَرِ رسولِ اللهِ ﷺ، وفي بَيتِ المَقدسِ عندَ الصَّخرةِ، وفي سائِرِ البُلدانِ في جَوامعِها.