قالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ ﵀: اختَلَفوا في سُجودِ السَّهوِ، هل هوَ فَرضٌ أو سُنَّةٌ؛ فذَهب الشافِعيُّ إلى أنَّه سُنَّةٌ، وَذَهب أبو حَنيفَةَ إلى أنَّه فَرضٌ لكِن مِنْ شُروطِ صحَّةِ الصَّلاةِ، وفرَّق مالِكٌ بينَ السُّجودِ لِلسَّهوِ في الأفعالِ، وبينَ السُّجودِ لِلسَّهوِ في الأقوالِ وبينَ الزِّيادةِ والنُّقصانِ؛ فقالَ: سُجودُ السَّهوِ الذي يَكونُ لِلأفعالِ النَّاقِصةِ واجبٌ. وهوَ عندَهُ مِنْ شُروطِ صِحةِ الصَّلاةِ، هذا في المَشهورِ، وعنهُ: أنَّ سُجودَ السَّهوِ لِلنُّقصانِ واجِبٌ، وسُجودَ الزِّيادةِ مَندوبٌ.
والسَّببُ في اختِلافِهم في حَملِ أفعالِه ﵊ في ذلك على الوُجوبِ، أو على النَّدبِ؛ فأمَّا أبو حَنيفَةَ فحَمَلَ أفعالَه ﵊ في السُّجودِ على الوُجوبِ، إذا كانَ هوَ الأصلَ عندَهم؛ إذ جاءَ بَيانًا لِواجِبٍ، كما قالَ ﵊:«صَلُّوا كمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي»، وأمَّا الشافِعيُّ فحَمَلَ أفعالَه في ذلك على النَّدبِ، وأخرَجها عن الأصلِ بالقياسِ، وذلكَ أنَّه لمَّا كانَ السُّجودُ عندَ الجُمهورِ ليس يَنوبُ عن فَرضٍ، وإنَّما يَنوبُ عن نَدبٍ؛ رَأى أنَّ البَدلَ عما ليس بواجِبٍ ليس هوَ بواجِبٍ. وأمَّا مالِكٌ فتأكَّدت عندَهُ الأفعالُ أكثرَ مِنْ الأقوالِ؛ لكَونِها مِنْ صُلبِ الصَّلاةِ أكثرَ مِنْ الأقوالِ، أعني أنَّ الفُروضَ التي هيَ أفعالٌ أكثرُ مِنْ فُروضِ الأقوالِ؛ فكَأنَّه رَأى أنَّ الأفعالَ آكَدُ مِنْ الأقوالِ، وإن كانَ ليس يَنوبُ سُجودُ السَّهوِ إلا عمَّا كانَ منها ليس بفَرضٍ، وتَفريقُهُ أيضًا بينَ سُجودِ النُّقصانِ والزِّيادةِ على الرِّوايةِ الثانيةِ؛ ليَكونَ سُجودُ النُّقصانِ شُرِعَ بَدلًا
(١) «القَوانينُ الفِقهيَّةُ» (١/ ٥١)، و «بداية المجتهد» (١/ ٢٦٦).