للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك الخَرساءُ تُلاعِنُ أيضًا؛ لأنَّ إشارةَ الأخرَسِ إذا فُهِمتْ قامَتْ مَقامَ النُّطقِ؛ لقَولِه تَعالى: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ [مريم: ٢٩]، يَعنِي مَريمَ، فعَرفُوا بإشارتِها ما يَعرفونَه مِنْ نُطقِها، وبقَولِه تَعالى: ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾ [آل عمران: ٤١]، أي إيماءً وإشارةً، فلولا أنه يُفهَمُ مِنها ما يُفهَمُ مِنْ النَّطقِ لم يَقُلْ تَعالى: ألا تُكلِّمَهم إلا رَمزًا، فجعَلَ الرَّمزَ كَلامًا، وأيضًا فإنَّ النبيَّ كبَّرَ للصَّلاةِ وذكَرَ أنه لم يَغتسلْ فأشارَ إليهِم أنِ اثبُتُوا مَكانَكُم، وكذلك أشارَ إلى أبي بَكرٍ في الصلاةِ، والأحادِيثُ في هذا أكثَرُ مِنْ أنْ تُحصَى، فصحَّ أنه يُعقلُ مِنْ الإشارةِ ما يُعقَلُ مِنْ النُّطقِ.

وقد تكونُ الإشارةُ في كَثيرٍ مِنْ أبوابِ الفِقهِ أقوَى مِنْ الكَلامِ، مثلَ قولِه : «بُعِثتُ أنَا والساعةِ كَهاتَينِ»، وفي إجماعِ العُقولِ على أنَّ العِيانَ أقوَى مِنْ الخبَرِ دَليلٌ أنَّ الإشارةَ قَدْ تكونُ في بَعضِ المَواضعِ أقوَى مِنْ الكَلامِ.

ولأنه لمَّا صحَّ طَلاقُه وبيعُه وسائِرُ الأحكامِ فيَنبغِي أنْ يكونَ القَذفُ مثلَ ذلكَ.

ويَترتَّبُ على لِعانِ الأخرَسِ أوِ الخَرساءِ ما يَترتَّبُ على لِعانِ الناطقِ مِنْ أحكامٍ، كسُقوطِ الحَدِّ ونَفيِ النَّسبِ وغيرِ ذلكَ.

ولو لاعَنَ الأخرَسُ بالإشارةِ أو الكِتابةِ ثمَّ انطَلقَ لِسانُه فتكلَّمَ فأنكَرَ القَذفَ واللِّعانَ أو قالَ: «لم أُرِدِ القَذفَ أو اللعانَ بإشارتِي» فقالَ الشافِعيةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>