للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تبطُلُ صَلاتُه بذلكَ، لكنَّه أساءَ.

قال ابنُ عَبد البرِّ في التَّمهيدِ بعدَما ذكرَ حَديثَ عَبد اللهِ بنِ بُحينَةَ: «صلَّى لنا رَسولُ اللهِ رَكعتَينِ، ثم قامَ فلم يَجلِس، فَقامَ الناسُ معه، فلمَّا قَضى صَلَاتَه وَنَظَرنَا تَسلِيمَه كبَّر، ثم سجدَ سَجدتَينِ وهو جَالِسٌ قبلَ التَّسليمِ، ثم سلَّم» (١).

قالَ: وفي هذا الحَديثِ مِنْ الفِقهِ أنَّ المُصلِّي إذَا قامَ مِنْ اثنَتَينِ واعتَدلَ قائِمًا لم يكن لهُ أن يَرجِعَ، وإنَّما قُلنا: واعتَدلَ قائِمًا؛ لأنَّ النَّاهِضَ لا يُسمَّى قائِمًا حتى يَعتدِلَ على الحَقيقةِ، وإنَّما القائمُ المُعتَدِلُ، وفي حَديثِنا هذا: «ثم قامَ»، وإنَّما قُلنا: لا يَنبَغِي لهُ إذَا اعتَدلَ قائِمًا أن يَرجِعَ؛ لأنَّه مَعلومٌ أنَّ مَنِ اعتَدلَ قائِمًا في هذه المَسألةِ لا يَخلُو مِنْ أن يَذكُرَ بنَفسِهِ، أو يُذَكِّرَهُ مَنْ خلفَه بالتَّسبيحِ، ولا سِيَّمَا قَومًا قِيلَ لهم: «مَنْ نابَه شَيءٌ في صَلاتِه فليُسبِّح»، وهُم أهلُ النَّهيِ وأَولَى مَنْ عَمِلَ بما حَفِظَ ووَعَى، وأيُّ الحالَينِ كانَت فلَم يَنصرِف رَسولُ اللهِ إلى الجُلُوسِ بعدَ قيامِه؛ فكذلكَ يَنبَغِي لِكلِّ مَنْ قامَ مِنْ اثنَتَينِ ألَّا يَرجِعَ، فإن رَجعَ إلى الجُلوسِ بعدَ قيامِه لم تَفسُد صَلاتُه عندَ جُمهورِ العُلماءِ (٢)، وإنِ اختَلَفوا في سُجودِ سَهوِهِ وحالِ رُجوعِه، وقد قالَ بَعضُ المُتَأخِّرينَ: تفسُدُ صَلاتُه، وهو قَولٌ ضَعيفٌ لا وَجهَ لهُ؛ لأنَّ


(١) رواهُ مُسلِم (٥٧٠)، ومالكُ في «الموطأ» (٢١٨).
(٢) أي: قبلَ أن يَشرَعَ في القراءةِ واللهُ أعلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>