والقِسمُ الثالثُ: مُختَلفٌ في جَوازِ قَذفِها ولِعانِها، وهو أنْ يَستفيضَ في الناسِ زِناها ولا يَرَى مع الاستِفاضةِ رَجلًا يَدخلُ عليها ولا يَخرجُ مِنْ عندِها، ففي جَوازِ قَذفِها ولِعانِها وَجهانِ:
أحَدُهما: يَجوزُ؛ لأنَّ الاستِفاضةَ أقوَى مِنْ خبَرِ الواحِدِ وإنْ كانَ ثِقةً، وإنه لمَّا جازَ أنْ تكونَ الاستِفاضةُ لَوْثًا في القَسامةِ يُحلَفُ بها على القَتلِ جازَ أنْ تكونَ مِنْ شَواهدِ القَذفِ.
والوجهُ الثاني -وهو قَولُ أبي حامِدٍ الإسفرايينيِّ-: أنه لا يَجوزُ أنْ يَقذفَها به؛ لأنَّ هذهِ الاستِفاضةَ قد يَجوزُ أنْ تَشتهرَ عن قَولِ واحِدٍ يَتخرَّصُ عليها بالكَذبِ.
والأوَّلُ مِنهُما أظهَرُ عِندِي، فأمَّا إنْ رأى رَجلًا يَخرجُ مِنْ عِندِها لم يَجُزْ أنْ يَقذفَها؛ لأنه ربَّما خرَجَ مِنْ عندِها لحاجةٍ، أو ربَّما ولَجَ عليها فلَم تُطِعْه، فهذا حُكمُ الحائلِ.
أمَّا الحامِلُ فيَنقسمُ حالُها خَمسةَ أقسامٍ:
أحَدُها: أنه يَجبُ عليه أنْ يَلتِعنَ منها بغَيرِ قَذفٍ، وهو أنْ تأتِيَ بوَلدٍ ولم يَدخلْ بها، فواجِبٌ عليه أنْ يُلاعِنَ منها ليَنفيَ وَلدًا يَعلمُ قَطعًا أنه ليسَ منه حتى لا يُلحِقَه بالفِراشِ فيَختلِطَ بنَسبِه مَنْ لا يُناسِبُه ويَجعلَه مَحرَمًا لبَناتِه وهُنَّ أجنبيَّاتٌ عنه، وإنَّما جازَ أنْ يُلاعِنَ وإنْ لم يَقذِفْ لأنه يَجوزُ أنْ يَكونَ مِنْ زَوجٍ قبلَه أو أُكرِهَتْ على نفسِها، فلا تَكونُ زانيَةً.