للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعالى كفَّارةَ القتلِ بالإيمانِ، والمُطلَقُ كفَّارةُ الظِّهارِ، فوجَبَ أنْ يُحمَلَ مُطلَقُها على ما قيَّدَ مِنْ كفَّارةِ القتلِ، كما قيَّدَ الشهادةِ بالعَدالةِ بقَولِه: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢] وأطلَقَها في قَولِه: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] ولم يُقيِّدْهما بالعَدالةِ، فلمَّا حُمِلَ مُطلَقُ الشُّهودِ على المُقيَّدِ في العَدالةِ .. فكذلكَ هذا مِثلُه.

وعنِ الشَّريدِ بنِ سُوَيدٍ الثَّقفيِّ قالَ: قلتُ يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي أوصَتْ أنْ نُعتِقُ عنها رَقبةً وعندِي جارِيةٌ سَوداءُ، قالَ: ادْعُ بها، فجاءَتْ فقالَ: مَنْ رَبُّكِ؟ قالَتِ: اللَّه، قالَ: مَنْ أنا؟ قالَتْ: رَسولُ اللَّهِ، قالَ: «أَعتِقْها فإنها مُؤمِنةٌ» (١)، وهذا يَقتضِي أنَّ كلَّ رقَبةٍ واجِبةٍ لا يُجزِئُ فيها إلا مُؤمِنةٌ؛ لأنَّ النبيَّ لم يُفرِّقْ، وقدْ علَّلَ جَوازَ إعتاقِها عن الرَّقبةِ التي عليهِ بأنها مُؤمِنةٌ، فدَلَّ على أنه لا يُجزِئُ عنِ الرقبةِ التي عليهِ إلا مُؤمِنةٌ.

ولأنه تَكفيرٌ بعِتقٍ، فلَم يَجُزْ فيه إلا مُؤمِنةٌ ككفَّارةِ القَتلِ، ولأنَّ كلَّ نَقصٍ في رَقبةٍ منَعَ إعتاقَها في كفَّارةِ القَتلِ منَعَ إعتاقَها في كفَّارةِ الظِّهارِ، أصلُه قَطعُ الأعضاءِ، ولأنها رَقبةٌ ناقِصةٌ بالكُفرِ كالمُرتدَّةِ والحَربيَّةِ، ولأنَّ كلَّ نَقصِ دِينٍ منَعَ الإعتاقَ في كفَّارةِ القَتلِ منَعَه في الظِّهارِ كالارتِدادِ.

ولأنَّا أجمَعْنا على أنه لا يُجزِئُ إلا رَقبةٌ سَليمةٌ مِنْ العُيوبِ المُضرَّةِ بالعَملِ ضَررًا بيِّنًا، فالتَّقيدُ بالسَّلامةِ مِنْ الكُفرِ أَولى.


(١) رواه ابن حبان في «صحيحه» (١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>