٤ - واختَلفُوا فيما لو كانَ معه مالٌ وهو مُحتاجٌ إليهِ، هل يَلزمُه شِراءُ رَقبةٍ؟ أم لا يَجبُ عليهِ ويَنتقلُ إلى الصِّيامِ؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنه لا يَلزمُه شِراءُ رَقبةٍ إذا كانَ مُحتاجًا للمالِ الذي معَه وجازَ له الصَّومُ، فيُشترطُ في المالِ الذي معه أنْ يكونَ فاضِلًا عَنْ حاجَتِه الأصليَّةِ.
وقالَ المالِكيةُ: إذا لم يَكنْ في مِلكِه رَقبةٌ وكانَ معَه ثَمنُها لَزمَه شِراؤُها ولم يَجُزْ له الصَّومُ، سَواءٌ كانَ مُحتاجًا إلى ذلكَ المالِ لأجْلِ مَرضٍ أو لأجْلِ مَنصبٍ أو سُكنَى مَسكَنٍ لا فضْلَ فيهِ أو غيرَ مُحتاجٍ، فإنه يَلزمُه العِتقُ ولا يَجزئُه الصَّومُ حِينئذٍ؛ لأنه واجِدٌ لثَمنِ رَقبةٍ، فأشبَهَ المُستغنيَ عنه، ولأنَّ القُدرةَ على الثَّمنِ تَقومُ مَقامَ القُدرةِ على المُثمَّنِ، كالقادرِ على شِراءِ الماءِ بثَمَنِ مِثلِه.
٥ - فأمَّا إذا لم يَكنْ له فَضلُ مالٍ على قَدرِ كِفايةِ ما يَتوصَّلُ بهِ إلى الرَّقبةِ ولا في مِلكِه عَينُ الرَّقبةِ لا يَجبُ عليهِ التَّحريرُ اتِّفاقًا؛ لأنَّ قدْرَ الكفَّارةِ مُستحَقُّ الصَّرفِ إلى حاجتِه الضَّروريةِ، والمُستحَقُّ كالمَصروفِ، فكانَ مُلحَقًا بالعَدمِ، كالماءِ المُحتاجِ إليهِ للشُّربِ في السَّفرِ حتى يُباحُ لهُ التَّيممُ ويَدخلُ تحتَ قولِه عزَّ شأنُه: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: ٤٣] وإنْ كانَ مَوجودًا حَقيقةً لكنَّه لمَّا كانَ مُستحَقَّ الصَّرفِ إلى الحاجةِ الضَّروريةِ أُلحِقَ بالعَدمِ شَرعًا، كذا هذا (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٨/ ٩٧)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٤٤)، و «الإشراف على نكت =