للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أحمَدُ في قَولِه تَعالى: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] قالَ: العَودُ الغَشَيانُ، إذا أرادَ أنْ يَغشَى كفَّرَ؛ لأنَّ العَودَ في القَولِ فِعلُ ضَدِّ ما قالَ، كما أنَّ العَودَ في الهِبةِ هو استِرجاعُ ما وهَبَ، فالمُظاهِرُ مُحرِّمٌ للوَطءِ على نفسِه ومانعٌ لها منهُ، فالعَودُ فِعلُه.

وقالَ القاضي وأصحابُه: العَودُ العَزمُ على الوَطءِ، إلا أنهُم لم يُوجبُوا الكفَّارةَ على العازِمِ على الوَطءِ إذا ماتَ أحَدُهما أو طلَّقَ قبلَ الوَطءِ، إلا أبا الخطَّابِ فإنه قالَ: إذا ماتَ بعدَ العَزمِ أو طلَّقَ فعليهِ الكفَّارةُ، وقد أنكَرَ أحمَدُ هذا.

وعلى كِلا القولَينِ: لا يَحلُّ له الوَطءُ قبلَ التَّكفيرِ؛ لقَولِه تَعالى: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣]، فإنْ وَطئَ قبلَه أَثمَ واستَقرَّتِ الكفَّارةُ عليهِ ولم يَجِبْ عليه أكثَرُ منها؛ لحَديثِ سَلمةَ حينَ وَطئَ فلَم يأمُرْه النبيُّ بأكثَرَ مِنْ كفَّارةٍ، وتَحريمُها باقٍ حتى يُكفِّرَ؛ لِمَا رُويَ أنَّ النبيَّ قالَ لسَلمةَ: «ما حمَلَكَ على ما صنَعْتَ؟ قالَ: رأيْتُ بَياضَ ساقِها في القمَرِ، قالَ: فاعتَزِلْها حتى تُكفِّرَ»، وأمَّا قبلَ الوَطءِ فلا كفَّارةَ عليهِ، وإنَّما أُمِرَ بها لكَونِها شَرطًا لحِلِّ الوَطءِ كاستِبراءِ الأمَةِ المُشتراةِ.

ولو ماتَ أحَدُهما أو فارَقَها المُظاهِرُ قبلَ الوَطءِ فلا كفَّارةَ عليهِ ولو كانَ عزَمَ على الوَطءِ؛ لأنه لم يَعُدْ إلى ما قالَ، وقالَ أبو الخطَّابِ: إنْ كانَتِ الفُرقةُ بعدَ العَزمِ على الوَطءِ فعَليهِ الكفَّارةُ، وقد صرَّحَ أحمَدُ بإنكارِه، وكذلكَ قالَ القاضِي: لا كفَّارةَ عليهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>