للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو كانَ مَوضوعًا بينَ يَديهِ ويَقرأُ منه مِنْ غيرِ حَملٍ وتَقليبِ الأوراقِ، أو قرأَ ما هوَ مَكتوبٌ على المِحرابِ مِنْ القُرآنِ؛ لا تفسُدُ صَلاتُه؛ لِعدمِ المُفسِدِ، وهوَ العملُ الكَثيرُ.

واستُدلَّ لِأبي حَنيفَةَ بمَا أخرَجه ابنُ أبي داودَ عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: «نَهَانَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عمرُ أَنْ يُؤَمَّ النَّاسُ في المُصحَفِ» (١).

قالَ أبو بَكرٍ الرَّازيُّ : قولُ أبِي حَنيفَةَ مَحمولٌ على مَنْ لم يَحفَظِ القُرآنَ، ولا يُمكِنُه أن يَقرأَ إلَّا مِنْ المُصحَفِ، فأمَّا الحافِظُ فلا تفسُدُ صَلاتُه في قولِهم جَميعًا، وتبِعه على ذلك السَّرخَسيُّ وأبو نَصرٍ الصَّفَّارُ مُعلِّلًا بأنَّ هذه القِراءةَ مُضافةٌ إلى حِفظِه، لا إلى تَلَقُّنِه مِنْ المُصحَفِ، وجزمَ به في فَتحِ القَديرِ والنِّهايةِ والتَّبيُّنِ، قالَ ابنُ نُجَيمٍ: وهو أوجَهُ، كما لا يَخفَى (٢).

وذَهب جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ وأبو يُوسفَ ومُحمَّدٌ من الحَنفيَّةِ إلى أنَّه لو قرأَ القُرآنَ مِنْ المُصحَفِ لم تبطُل صَلاتُه، سَواءٌ كانَ يَحفَظُه أو لا، إلَّا أنَّه يُكرَهُ ذلك في الفَرضِ عندَهم، إلَّا الشافِعيَّ؛ لأنَّه تَشبُّهٌ بصَنيعِ أهلِ الكتابِ، كما قالَ أبو يُوسفَ ومُحمَّدٌ.

قالَ ابنُ نُجَيمٍ : اعلَم أنَّ التَّشبُّهَ بأهلِ الكتابِ لا يُكرَهُ في كلِّ شَيءٍ، فإنَّا نأكُلُ ونَشرَبُ كما يَفعلُونَ، إنَّما الحَرامُ هو التَّشبُّهُ فيما كانَ


(١) رواه ابن أبي داود في «المصاحف» (٢١٧) من حديثِ ابن عباس.
(٢) «معاني الآثار» (٢/ ١٣٣)، و «البحر الرائق» (٢/ ١١)، و «المبسوط» (١/ ٢٠٢)، و «الهداية شرح البِداية» (١/ ٦٢)، وابن عابدين (١/ ٦٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>