للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ مَنْ قالَ لزَوجتِهِ: «أنتِ عليَّ حَرامٌ» أنَّه يكونُ ظِهارًا تَجبُ بهِ كفَّارةُ الظِّهارِ، نوَى ذلكَ أو لَم يَنوِ؛ لأنهُ تَحريمٌ للزَّوجةِ بغَيرِ طلاقٍ، فوَجبَتْ بهِ كفَّارةُ الظِّهارِ، كما لَو قالَ: «أنتِ عليَّ حَرامٌ كظَهْرِ أمِّي»؛ وذلكَ لأنَّ اللهَ جعَلَ التَّشبيهَ بمَن تَحرُمُ عليهِ ظِهارًا، فالتَّصريحُ مِنهُ بالتَّحريمِ أَولى، يُؤيِّدُه أنَّ اللهَ لَم يَجعلِ التَّحريمَ والتَّحليلَ إليهِ، فإذا قالَ: «أنتِ عليَّ كظَهرِ أمِّي، أو أنتِ عليَّ حَرامٌ» فقَد قالَ المُنكَرَ مِنْ الزَّورِ وكَذَبَ على اللهِ، وقَد أوجَبَ أغلَظَ الكفَّارتَينِ عليهِ، وهيَ كفَّارةُ الظِّهارِ.

قالَ عَبدُ اللهِ بنُ أحمَدَ بنِ حَنبلٍ: سَألتُ أبي عَنْ رَجلٍ قالَ لامرأتِه: «أنتِ عَليَّ حَرامٌ» ونوَى الطَّلاقَ، قالَ: لا يكونُ طَلاقًا، نَوى أو لَم يَنوِ، قيلَ: فيهِ كفَّارةُ الظِّهارِ (١).

والرِّوايةُ الأُخرى: أنها يَمينٌ وعليهِ كفَّارتُها؛ لأنَّ اللهَ تعالَى قالَ: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ [التحريم: ١]، ثمَّ قالَ: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ [التحريم: ٢]، وعنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ: «إذا حرَّمَ الرَّجلُ امرَأتَه فهيَ يَمينٌ يُكفِّرُها» وقالَ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [لقمان: ٢١] (٢)، ولأنه تَحريمٌ للحَلالِ أشبَهَ تَحريمَ الأمَةِ، ولأنَّ ذلكَ يُروَى عنِ الصِّديقِ (٣)


(١) «مسائل عبد الله ابن الإمام أحمد» (١/ ٣٤٣).
(٢) رواه البخاري (٤٩٦٥)، ومسلم (١٤٧٣).
(٣) ضَعِيفٌ: رواه سعيد بن منصور في «سننه» (١/ ٢٢٨)، رقم (١٦٩٥)، وابن أبي شيبة «المصنف» (٥/ ٧٤)، رقم (١٨٥٠٧)، وفي إسنادَهِ جُوَيبِرُ، ضَعيفُ الحَديثِ، والضَّحاكُ لم يُدرِكْ أبا بكرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>