للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليلُ الثاني: قَولُه: ﴿فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦)[البقرة: ٢٢٦]، فذكَرَ الفَيئةَ بعدَ المدَّةِ بفَاءِ التَّعقيبِ، وهذا يَقتضي أنْ يَكونَ بعدَ المدَّةِ، ونَظيرُه قولُه سُبحانَه: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، وهذا بعدَ الطلاقِ قَطعًا.

فإنْ قيلَ: فاءُ التَّعقيبِ تُوجِبُ أنْ يكونَ بعدَ الإيلاءِ لا بعْدَ المدَّةِ.

قيلَ: قد تقدَّمَ في الآيةِ ذِكرُ الإيلاءِ ثمَّ تَلاهُ ذِكرُ المدَّةِ ثمَّ أعقَبَها بذِكرِ الفَيئةِ، فإذا أوجَبَتِ الفاءُ التَّعقيبَ بعدَما تقدَّمَ ذِكرُه لم يَجُزْ أنْ يَعودَ إلى أبعَدِ المَذكورينَ، ووجَبَ عَودُها إليهما أو إلى أقرَبِهما.

والدليلُ الثالِثُ: قولُه: ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ﴾ [البقرة: ٢٢٧]، فجعَلَه واقِعًا بعَزمِ الأزواجِ لا بمُضيِّ المدَّةِ، وليسَ انقِضاءُ المدَّةِ عَزيمةً، وإنَّما العَزمُ ما عدَّهُ مِنْ فِعلِه، كما قالَ تَعالى: ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٥].

الدليلُ الرابعُ: أنَّ اللهَ سُبحانَه خيَّرَه في الآيةِ بينَ أمرَينِ: الفَيئةِ أو الطلاقِ، والتَّخييرُ بينَ أمرَينِ لا يَكونُ إلا في حالةٍ واحِدةٍ كالكفَّاراتِ، ولو كانَ في حالتَينِ لَكانَ تَرتيبًا لا تَخييرًا، وإذا تقرَّرَ هذا فالفَيئةُ عندَكم في نَفسِ المدَّةِ، وعَزمُ الطلاقِ بانقِضاءِ المدَّةِ، فلم يقَعِ التَّخييرُ في حالةٍ واحِدةٍ.

الدليلُ الخامِسُ: أنَّ التَّخييرَ بينَ أمرَينِ يَقتضي أنْ يكونَ فِعلُهما إليه لِيَصحَّ منه اختيارُ فِعلِ كلٍّ مِنهُما وتَركِه، وإلا لَبطَلَ حُكمُ خِيارِه، ومُضيُّ المدَّةِ ليسَ إليهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>