قالوا: ولأنه أجَلٌ مَضروبٌ للفُرقةِ، فتَعقُبُه الفُرقةُ كالعدَّةِ وكالأجَلِ الذي ضُربَ لوُقوعِ الطلاقِ، كقَولِه: «إذا مضَتْ أربعةُ أشهُرٍ فأنتِ طالقٌ».
ولأنَّ الإيلاءَ كانَ طلاقًا مُعجَّلًا في الجَاهليةِ، فجعَلَه الشَّرعُ طلاقًا مُؤجَّلًا، والطلاقُ المُؤجَّلُ يَقعُ بنَفسِ انقِضاءِ الأجَلِ مِنْ غيرِ إيقاعِ أحَدٍ بعدَه، كما إذا قالَ لها: «أنتِ طالقٌ رأسَ الشَّهرِ».
فالشَّرعُ جعَلَ الإيلاءَ طلاقًا مُعلَّقًا بشَرطِ البِرِّ، فيَصيرُ الزوجُ بالإصرارِ على مُوجَبِ هذه اليَمينِ مُعلِّقًا طلاقًا بائنًا بتَركِ القُربانِ أربعةَ أشهُرٍ، كأنه قالَ: «إذا مضَتْ أربَعةُ أشهُرٍ ولم أقرَبْكِ فيها فأنتِ طالقٌ بائنٌ».
وقد عرَفْنا ذلكَ بإشارةِ النَّصِّ، وهو قولُه تعالَى: ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧)﴾ [البقرة: ٢٢٧]، سمَّى ترْكَ الفَيءِ في المدَّةِ عزْمَ الطلاقِ، وأخبَرَ ﷾ أنه سَميعٌ للإيلاءِ، فدلَّ أنَّ الإيلاءَ السابقَ يَصيرُ طَلاقًا عندَ مُضيِّ المدَّةِ مِنْ غيرِ فيءٍ، وبما ذكَرْنا مِنْ المَعنى المَعقولِ (١).
وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ الزوجَ إذا آلَى مِنْ زَوجتِه أكثَرَ مِنْ أربعةِ أشهُرٍ ومضَتْ مدَّةُ الإيلاءِ وهو مَلتزِمٌ بيَمينِه
(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ١٧٦، ١٧٧)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٤٧٣، ٤٧٤)، و «أحكام القرآن» (٢/ ٤٦)، و «المبسوط» (٧/ ٢٢)، و «الهداية» (٢/ ١٢)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٠١)، و «الاختيار» (٣/ ١٨٩)، و «اللباب» (٢/ ١٠٩)، و «زاد المعاد» (٥/ ٣٤٦، ٣٤٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute