للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا مَرويٌّ عن جَماعةٍ مِنْ الصحابةِ، قالَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ وزَيدُ بنُ ثابتٍ : «إذا مضَتْ أربَعةُ أشهُرٍ ولم يَفئْ فيها طلقَتْ منه بمُضيِّها».

ولأنَّ الآيةَ تَدلُّ على ذلكَ مِنْ ثلاثةِ أوجُهٍ:

أحَدُها: أنَّ عبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ قرَأَ: ﴿فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، فإضافةُ الفَيئةِ إلى المُدَّةِ تَدلُّ على استِحقاقِ الفَيئةِ فيها، وهذه القِراءةُ -وإنْ تَفرَّدَ ابنُ مَسعودٍ بها- تَجرِي مَجرَى خبَرِ الواحِدِ في وُجوبِ العَملِ به وإنْ لم تُوجِبْ كَونَها مِنْ القُرآنِ، وإمَّا أنْ تَكونَ قُرآنًا نُسخَ لَفظُه وبَقيَ حُكمُه، لا يَجوزُ فيها غيرُ هذا ألبتَّةَ.

الثَّاني: أنَّ اللهَ سُبحانَه جعَلَ مدَّةَ الإيلاءِ أربَعةَ أشهُرٍ، فلو كانَتِ الفَيئةُ بعدَها لَزادَتْ على مدَّةِ النَّصِّ وذلكَ غيرُ جائِزٍ.

الثالثُ: أنه لو وَطئَها في مدَّةِ الإيلاءِ لَوقعَتِ الفَيئةُ مَوقعَها، فدلَّ على استِحقاقِ الفَيئةِ فيها.

قالوا: ولأنَّ اللهَ جعَلَ لهُم تَربُّصَ أربعةِ أشهُرٍ ثمَّ قالَ: ﴿فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ﴾ [البقرة: ٢٢٦، ٢٢٧]، وظاهِرُ هذا أنَّ هذا التَّقسيمَ في المدَّةِ التي لهُم فيها التربُّصُ، كما إذا قالَ لغَريمِه: «أصبِرُ عليكَ بدَيني أربعةَ أشهُرٍ، فإنْ وفَّيتَني وإلَّا حبَستُكَ»، ولا يُفهَمُ مِنْ هذا إلا «إنْ وفَّيتَني في هذهِ المدَّةِ»، ولا يُفهَمُ منه «إنْ وفَّيتَني بعدَها»، وإلا كانَتْ مدَّةُ الصبْرِ أكثَرَ مِنْ أربعةِ أشهُرٍ، وقِراءةُ ابنِ مَسعودٍ صَريحةٌ في تَفسيرِ الفَيئةِ بأنها في المدَّةِ، وأقَلُّ مَراتبِها أنْ تكونَ تَفسيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>