للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصدقةُ والصومُ والحجُّ فلا يَلزمُه إذا حنَثَ؛ لأنه لو أوجَبَه على نفسِه لم يَلزمْه بإيجابِه، ولأنه لا يَصحُّ منه فِعلُ هذه القُرَبِ؛ لأنه لا قُربةَ لهُ، ولذلك لم يَلزمْه الزَّكَواتُ والصدقاتُ الواجِبةُ على المُسلمينَ في أموالِهم في أحكامِ الدُّنيا، فوجَبَ على هذا أنْ لا يَكونَ مُوليًا بحَلفِه بالحجِّ والعُمرَةِ والصَّدقةِ والصيامِ؛ إذْ لا يَلزمُه بالجِماعِ شَيءٍ، فكانَ بمَنزلةِ مَنْ لم يَحلفْ، وقولُه تعالَى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٢٦] يَقتضِي عُمومَ المُسلمِ والكافِرِ، ولكنَّا خصَّصناهُ بما وصَفْنا.

وأمَّا إذا حلَفَ باللهِ تَعالى فإنَّ أبا حَنيفةَ جعَلَه مُوليًا وإنْ لم تَلزمْه كفَّارةٌ في أحكامِ الدُّنيا؛ مِنْ قِبَلِ أنَّ حُكمَ تَسميةِ اللهِ تَعالى قد تعلَّقَ على الكافِرِ كهيَ على المُسلمِ؛ بدَلالةِ أنَّ إظهارَ الكافرِ تَسميةَ اللهِ تَعالى على الذَّبيحةِ يُبيحُ أكْلَها كالمُسلمِ، ولو سمَّى الكافرُ باسمِ المَسيحِ لم تُؤكلْ، فثبَتَ حُكمُ تسميتِه وصارَ كالمُسلمِ في حُكمِها، فكذلك الإيلاءُ؛ لأنه يَتعلَّقُ به حُكمانِ: أحَدُهما الكفَّارةُ، والآخَرُ الطلاقُ، فثبَتَ حُكمُ التسميةِ عليه في بابِ الطلاقِ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : ويَصحُّ إيلاءُ الذِّميِّ ويَلزمُه ما يَلزمُ المُسلمَ إذا تقاضَوا إلينا، وبهذا قالَ أبو حَنيفةَ والشافعيُّ وأبو ثَورٍ، وإنْ أسلَمَ


(١) «أحكام القرآن» للجصاص (٢/ ٥٤)، و «تحفة الفقهاء» (٢/ ٢٠٩)، و «شرح فتح القدير» (٤/ ١٨٩)، و «البحر الرائق» (٤/ ٦٦)، و «عمدة القاري» (٢٠/ ٢٧٥)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٤٢٢، ٤٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>