وأمَّا ما تَمسَّكَ بهِ الفَريقُ الثاني مِنْ ظاهِرِ الآيَةِ فإنهم قالوا: إنَّ قولَه تَعالَى: ﴿ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] ظاهِرٌ في تَمامِ كلِّ قُرءٍ مِنها؛ لأنه ليسَ يَنطلِقُ اسمُ القُرءِ على بعضِه إلا تَجوُّزًا، وإذا وُصفَتِ الأقراءُ بأنها هي الأطهارُ أمكَنَ أنْ تكونَ العدَّةُ عِندَهم بقُرأَينِ وبَعضِ قُرءٍ؛ لأنها عندَهم تعتَدُّ بالطُّهرِ الذي تُطلَّقُ فيه وإنْ مضَى أكثَرُه، وإذا كانَ ذلكَ كذلكَ فلا يَنطلقُ عليها اسمُ الثلاثةِ إلا تَجوُّزًا، واسمُ الثلاثةِ ظاهِرٌ في كَمالِ كلِّ قُرءٍ منها، وذلكَ لا يتَّفقُ إلا بأنْ تكونَ الأقراءُ هي الحيضَ؛ لأنَّ الإجماعَ مُنعقِدٌ على أنها إنْ طلِّقَتْ في حَيضةٍ أنها لا تعتَدُّ بها.
ولكلِّ واحِدٍ مِنْ الفَريقَينِ احتِجاجاتٌ مُتساوِيةٌ مِنْ جِهةِ لفظِ القُرءِ، والذي رَضِيَه الحُذَّاقُ أنَّ الآيةَ مُجمَلةٌ في ذلكَ، وأنَّ الدليلَ يَنبغي أنْ يُطلبَ مِنْ جهةٍ أُخرى، فمِن أقوَى ما تمسَّكَ بهِ مَنْ رأى أنَّ الأقراءَ هي الأطهارُ حديثُ ابنِ عُمرَ المُتقدِّمِ وقولُه ﷺ:«مُرْهُ فلْيُراجِعْها حتى تَحيضَ ثمَّ تَطهُرَ ثم تَحيضَ ثم تَطهُرَ، ثم يُطلِّقُها إنْ شاءَ قبلَ أنْ يمَسَّها، فتلكَ العدَّةُ التي أمَرَ اللهُ أنْ يُطلَّقَ لها النِّساءُ»، قالُوا: وإجماعُهم على أنَّ طلاقَ السُّنةِ لا يَكونُ إلا في طُهرٍ لم تُمَسَّ فيهِ، وقَولُه ﵊:«فتِلكَ العدَّةُ التي أمَرَ اللهُ أنْ يُطلَّقَ لها النِّساءُ» دليلٌ واضِحٌ على أنَّ العدَّةَ هي الأطهارُ؛ لكَي يكونَ الطلاقُ مُتَّصِلًا بالعدَّةِ.