وأيضًا فالمَقصودُ الأصليُّ مِنْ العدَّةِ إنَّما هو استبراءُ الرَّحمِ وإنْ كانَ لها فَوائدُ أُخَرُ، ولشَرفِ الحرَّةِ المَنكوحةِ وخَطرِها جعَلَ العِلمَ الدالَّ على بَراءةِ رَحمِها ثلاثةَ أقراءٍ، فلو كانَ القُرءُ هو الطُّهرَ لم تَحصلْ بالقُرءِ الأوَّلِ دَلالةٌ؛ فإنه لو جامَعَها في الطُّهرِ ثمَّ طلَّقَها ثمَّ حاضَتْ كانَ ذلك قُرءًا مَحسوبًا مِنْ الأقراءِ عندَ مَنْ يَقولُ:«الأقراءُ الأطهارُ»، ومَعلومٌ أنَّ هذا لم يَدلَّ على شيءٍ، وإنَّما الذي يَدلُّ على البَراءةِ الحَيضُ الحاصلُ بعدَ الطلاقِ، ولو طلَّقَها في طُهرٍ لم يُصبْها فيهِ فإنَّما يُعلَمُ هُنا بَراءةُ الرَّحمِ بالحَيضِ المَوجودِ قبلَ الطلاقِ، والعدَّةُ لا تكونُ قبلَ الطلاقِ؛ لأنها حُكمُه والحُكمُ لا يَسبقُ سبَبَه، فإذا كانَ الطُّهرُ المَوجودُ بعدَ الطلاقِ لا دَلالةَ له على البَراءةِ أصلًا لم يَجُزْ إدخالُه في العِدَدِ الدَّالةِ على بَراءةِ الرَّحمِ، وكانَ مَثلَه كمَثلِ شاهدٍ غيرِ مَقبولٍ، ولا يَجوزُ تَعليقُ الحُكمِ بشَهادةِ شاهِدٍ لا شَهادةَ له، يوضِّحُه أنَّ العدَّةَ في المَنكوحاتِ كالاستِبراءِ في المَملوكاتِ.
وقد ثبَتَ بصَريحِ السُّنةِ أنَّ الاستِبراءَ بالحَيضِ لا بالطُّهرِ، فكذلكَ العدَّةُ؛ إذْ لا فرْقَ بينَهُما إلا بتَعدُّدِ العدَّةِ والاكتِفاءِ بالاستِبراءِ بقُرءٍ واحدٍ …
والمَقصودُ أنَّ الجُمهورَ على أنَّ عدَّةَ الاستِبراءِ حَيضةٌ لا طُهرٌ، وهذا الاستِبراءُ في حقِّ الأمَةِ كالعدَّةِ في حقِّ الحرَّةِ، قالُوا: بلِ الاعتِدادُ في حقِّ الحرَّةِ بالحَيضِ أَولى مِنْ الأمَةِ مِنْ وجهَينِ:
أحَدُهما: أنَّ الاحتِياطَ في حقِّها ثابِتٌ بتَكريرِ القُرءِ ثَلاثَ استِبراءاتٍ،