للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيلَ له: فإنَّ بعضَ النَّاسِ قالَ: «تَقتلُه، هي بمَنزلةِ مَنْ يُدافِعُ عن نَفسِه» فلم يُعجِبْه ذلكَ، فمنَعَها مِنْ التزويجِ قبلَ ثُبوتِ طَلاقِها؛ لأنها في ظاهِرِ الحُكمِ زَوجةُ هذا المُطلِّقِ، فإذا تَزوَّجتْ غيرَه وجَبَ عليها في ظاهِرِ الشرعِ العُقوبةُ والرَّدُّ إلى الأولِ، ويَجتمعُ عليها زَوجانِ؛ هذا بظاهرِ الأمرِ وذاكَ بباطنِه، ولم يأذَنْ لها في الخُروجِ مِنْ البَلدِ؛ لأنَّ ذلكَ يُقوِّي التُّهمةَ في نُشوزِها، ولأنَّ في قَتلِه قَصدًا؛ لأنَّ الدَّافعَ عَنْ نفسِه لا يَقتلُ قَصدًا، فأمَّا إنْ قصَدَتِ الدَّفعَ عن نفسِها فآلَ إلى نفسِه فلا إثْمَ عليها ولا ضَمانَ في الباطِنِ، فأمَّا في الظاهرِ فإنها تُؤخَذُ بحُكمِ القَتلِ ما لم يَثبتْ صِدقُها.

فصلٌ: قالَ أحمَدُ: إذا طلَّقَها ثَلاثًا فشَهِدَ عليه أربَعةٌ أنه وَطئَها أُقيمَ عليه الحَدُّ، إنما أوجَبَه لأنها صارَتْ بالطلاقِ أجنبيَّةً، فهي كسائِرِ الأجنبيَّاتِ، بل هي أشَدُّ تَحريمًا؛ لأنها مُحرَّمةٌ وطئًا ونكاحًا، فإنْ جحَدَ طَلاقَها ووَطئَها ثمَّ قامَتِ البيِّنةُ بطَلاقِه فلا حَدَّ عليه، وبهذا قالَ الشعبيُّ ومالكٌ وأهلُ الحِجازِ والثوريُّ والأوزاعيُّ ورَبيعةُ والشافعيُّ وأبو ثَورٍ وابنُ المُنذرِ؛ لأنَّ جحْدَه لطَلاقِه يُوهِمُنا أنه نَسِيَه، وذلكَ شُبهةٌ في دَرءِ الحَدِّ عنه، ولا سَبيلَ لنا إلى عِلمِ مَعرفتِه بالطلاقِ حالةَ وَطئِه إلا بإقرارِه بذلك، فإنْ قالَ: «وَطئْتُها عالِمًا بأنني كنتُ طَلَّقتُها ثلاثًا» كانَ إقرارًا منه بالزِّنا، فيُعتبَرُ فيه ما يُعتبَرُ في الإقرارِ بالزنا (١).


(١) «المغني» (٧/ ٣٨٧، ٣٨٨)، ويُنظَر: «الشرح الكبير» (٨/ ٤٦٥)، و «كشاف القناع» (٥/ ٣٩٠، ٣٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>