للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إرادةِ الطلاقِ، فلم يَنصرفْ إليهِ بغيرِ نيَّةٍ، وإنْ نَوَى بهِ إيقاعَ الطلاقِ في الحالِ وقَعَ؛ لأنه يَصلحُ كِنايةً عن الطلاقَ، فأشبَهَ سائِرَ كِناياتِه، وإنْ نَوَى بهِ التفويضَ فطَلَّقتْ نفْسَها بلَفظٍ صَريحٍ وقَعَ مِنْ غيرِ نيَّةٍ، وإنْ لم تَختَرْ شَيئًا لم يقَعْ بها شَيءٌ، وكذلكَ إنِ اختارَتْ زوْجَها؛ لأنَّ النبيَّ خيَّرَ أزواجَه فاختَرْنَه فلم يَكنْ طَلاقًا، ولأنه تَفويضٌ للطلاقِ إليها، فلم يقَعْ بمُجرَّدِه طَلاقٌ كقَولِه: «طلِّقي نفسَكِ»، وإنْ قالَتْ: «قَبِلْتُ» فليسَ بشَيءٍ؛ لأنَّ ذلكَ يَنصرِفُ إلى قَبولِ التفويضِ، فهو كقَبولِ التوكيلِ، وإنْ قالَتْ: «اختَرْتُ نفسِي أو أهلِي أو أبوَيَّ أو الأزواجَ أو ألَّا تَدخلَ عليَّ» ونحوَ هذا ممَّا يَحتملُ إرادةَ الطلاقِ فهو كِنايةٌ يَفتقرُ إلى النِّيةِ؛ لأنه ليسَ بصَريحٍ، فاعتُبِرَتِ النِّيةِ فيهِ كالكِناياتِ، فإنْ نَوَت به الطلاقَ كانَ طَلاقًا، وإلا فلا، ويقَعُ بهِ واحدةٌ، إلا أنْ يَنويَ الثلاثَ إذا جعَلَ إليها ثلاثًا.

وإنْ ملَّكَها ثَلاثَ تَطليقاتٍ بلَفظِه أو بنيَّتِه فطلَّقَتْ ثلاثًا وقَعَ ثَلاثٌ، وإنْ طلَّقَتْ أقَلَّ منها وقَعَ؛ لأنَّ مَنْ ملَكَ ثَلاثًا ملَكَ واحدةً كالزوجِ.

وإنْ قالَ: «اختارِي» فاختارَتْ نفسَها ونوَيَا ثَلاثًا وقَعَ الثلاثُ، وإنْ نَوَى أحَدُهما طَلقةً والآخَرُ أكثَرَ منها وقَعَتْ طَلقةٌ؛ لأنَّ الطلاقَ يَفتقرُ إلى تَمليكِ الزوجِ وإيقاعِ المَرأةِ، فالزائِدُ لم يُوجَدْ فيهِ إلا أحَدُهما فلم يقَعْ.

ويَصحُّ تَفويضُ الطلاقِ إلى غيرِ الزوجةِ؛ لأنه إزالةُ مِلكٍ، فصَحَّ التوكيلُ فيهِ كالعِتقِ؛ فإذا قالَ لرَجلٍ: «طلِّقْ زَوجتِي، أو أمرُها بيَدكَ» فالحُكمُ فيه كالحُكمِ في جَعلِ ذلكَ إلى الزوجةِ على ما مَضَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>