للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتغدَّى تَقيَّدَتْ يَمينُه بذلكَ الغَداءِ وحْدَهُ؛ لأنَّ النِّيةَ والسَّببَ ومَناطَ اليَمينِ لا يَقتَضِي غيْرَهُ.

وقد أخبَرَ النَّبيُّ «أنَّ الأعمالَ بالنِّياتِ، وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوَى»، وما لَم يَنوِه بيَمينِه أو كانَ السَّببُ لا يَقتضيهِ؛ لا يَجوزُ أنْ يُلزمَ بهِ معَ القَطعِ بأنهِ لَم يُرِدْه ولا خطَرَ على بالهِ.

وقَد أفتَى غَيرُ واحِدٍ مِنَ الفُقهاءِ -مِنهم ابنُ عَقيلٍ وشَيخُنا وغَيرُهما- فيمَن قيلَ لهُ: «إنَّ امرَأتَكَ قَدْ خرَجَتْ مِنْ بَيتِكَ، أو قَدْ زَنَتْ بفُلانٍ» فقالَ: «هيَ طالِقٌ» ثمَّ تَبيَّنَ لهُ أنها لَم تَخرُجْ مِنَ البَيتِ، وأنَّ الَّذي رُمِيَتْ بهِ في بَلدٍ بَعيدٍ لا يُمكِنُ وُصولُه إليها، أو أنهُ حِينَ رُمِيَتْ بهِ كانَ مَيتًّا ونَحوُ ذلكَ ممَّا يَعلمُ بهِ أنها لَم تَزْنِ؛ فإنهُ لا يقَعُ عليهِ الطَّلاقُ؛ لأنهُ إنَّما طلَّقَها بِناءً على هذا السَّببِ، فهو كالشَّرطِ في طَلاقِها.

وهذا الَّذي قالوهُ هوَ الَّذي لا يَقتضِي المَذهبُ وقَواعِدُ الفِقهِ غيْرَه، فإنهُم قد قالوا: لو قالَ لها: «أنتِ طالِقٌ» وقالَ: «أردْتُ إنْ قُمتِ» دُيِّنَ ولَم يقَعْ بهِ الطَّلاقُ، فهذا مِثلُه سَواءٌ، ونَظيرُ هذا ما قالوهُ: إنَّ المُكاتِبَ لو أدَّى إلى سَيِّدِه المالَ فقالَ: «أنتَ حُرٌّ» فبانَ أنَّ المالَ الَّذي أعطاهُ مُستَحقٌّ أو زُيوفٌ لم يَقعِ العِتقُ وإنْ كانَ قَدْ صرَّحَ بهِ، ذكَرَه أصحابُ أحمَدَ والشَّافعيِّ؛ لأنهُ إنَّما أعتَقَه بِناءً على سَلامةِ العِوَضِ ولَم يَسلَمْ لهُ، وقَواعِدُ الشَّريعةِ كُلُّها مَبنيَّةٌ على أنَّ الحُكمَ إذا ثبَتَ لعِلَّةٍ يَزولُ بزَوالِها، وأمثِلةُ ذلكَ أكثَرُ مِنْ أنْ تُحصَرَ، فهذهِ الطَّريقةُ تُخلِّصُ مِنْ كَثيرٍ مِنَ الحِنثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>