للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا اختِلافُهما لَفظًا: فإنَّ لفْظَ اليَمينِ لا بُدَّ فيها مِنِ التِزامٍ قَسَميٍّ يأتي فيهِ بجَوابِ القسَمِ، أو تَعليقٍ شَرطيٍّ يَقصدُ فيهِ انتِفاءَ الشَّرطِ والجَزاءِ، أو وُقوعَ الجَزاءِ على تَقديرِ وُقوعِ الشَّرطِ، وإنْ كانَ يَكرهُه ويَقصِدُ انتِفاءَه فالمُقدَّمُ في الصُّورةِ الأُولَى مُؤخَّرٌ في الثَّانيةِ، والمَنفيُّ في الأُولى ثابتٌ في الثَّانيةِ، ولَفظُ الإيقاعِ لا يَتضمَّنُ شيئًا مِنْ ذلكَ، ومَن تَصوَّرَ هذا حَقَّ التَّصوُّرِ جزَمَ بالحَقِّ في هذهِ المَسألةِ، واللهُ المُوفِّقُ (١).

الطَّريقَةُ السَّادسةُ: أنْ يَزولَ المُعنَى الَّذي كانَتِ اليَمينُ لأجْلِه، فإذا فعَلَ المَحلوفَ عَليهِ بعْدَ ذلكَ لَم يَحنَثْ؛ لأنَّ امتِناعَه باليَمينِ إنَّما كانَ لعِلَّةٍ، فيَزولُ بزَوالِها، وهذا مُطَّرِدٌ على أصُولِ الشَّرعِ وقَواعدِ مَذهبِ أحمَدَ وغَيرِه ممَّن يَعتبِرُ النِّيةَ والقَصدَ في اليَمينِ تَعميمًا وتَخصيصًا وإطلاقًا وتَقييدًا، فإذا حلَفَ: «لا أُكلِّمُ فُلانةَ» وكانَ سبَبُ اليَمينِ الَّذي هَيَّجَها كَونُها أجنبيَّةً يَخافُ الوُقوعَ في عَرضِه بكَلامِها فتَزوَّجَها لم يَحنَثْ بكَلامِها؛ إعمالًا لسَببِ اليَمينِ وما هَيَّجَها في التَّقييدِ بكَونِها أجنبيَّةً، هذا إذا لَم يَكنْ لهُ نيَّةٌ ما دامَتْ كذلكَ، أمَّا إذا كانَتْ لهُ نيَّةٌ فلا إشكالَ في تَقييدِ اليَمينِ بها، ونَظيرُه: أنْ يَحلِفَ لا يُكلِّمُ فُلانًا ولا يُعاشِرُه لكَونِه صَبيًّا فصارَ رَجلًا، وكانَ نيَّتُه وسَببُ يَمينِه لأجْلِ صِباهُ، ونَظيرُه: أنْ يَحلِفَ: «لا دَخلْتُ هذهِ الدَّارَ» لأجْلِ مَنْ يَظنُّ بهِ التَّهمةَ لدُخولِها، فماتَ أو سافَرَ فدخَلَها لَم يَحنَثْ، وبذلكَ أَفتَى أبو حَنيفةَ


(١) «المفيد للحكام فيما يعرض لهم من نوازل الأحكام» (٢/ ١٥٤، ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>