للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصارَ قَومٌ مِنْ التَّابِعينَ إلى جَوازِ ذلكَ، وهوَ مَذهبُ البُخاريِّ؛ لأنَّه لم يَصحَّ الحَديثُ عندَهُ، واللهُ أعلَمُ (١).

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ : «وفي نَهيِهِ عن قِراءةِ القِرآنِ في الرُّكوعِ والسُّجودِ دَليلٌ على أنَّ القُرآنَ أشرَفُ الكَلامِ؛ إذ هو كَلامُ اللهِ، وحالةُ الرُّكوعِ والسُّجودِ ذُلٌّ وانخِفاضٌ مِنْ العَبد، فمِنَ الأدَبِ مَنعُ كلامِ اللهِ أن يُقرأَ في هاتَينِ الحالتَينِ» (٢).

وقالَ الإمامُ القَرَافِيُّ : «قاعِدةٌ»: اللهُ غَنيٌّ عن خَلقِه على الإطلاقِ، لا تَنفَعُهُ الطَّاعةُ ولا تَضُرُّهُ مَعصيةٌ، لكنَّه أمرَنَا أن نُظهِرَ الذُّلَّ والانقيادَ لِجَلالِه في حالاتٍ جَرَتِ العاداتُ بأنَّها مَوضوعةٌ لذلك؛ كالرُّكوعِ والسُّجودِ، والمُبادَرَةِ إلى الأوامرِ، والمُباعدةِ عن النَّواهِي، وأن نَتأدَّبَ معه في الحالاتِ التي تَقتضِي الأدَبَ عادةً؛ ولذلك قالَ : «استَحيِ مِنْ الله كمَا تَستَحيِي مِنْ شَيخٍ مِنْ صَالِحِي قَومِكَ» (٣). ولمَّا كانَتِ العادةُ جاريةً عندَ الأَمَاثِلِ والمُلوكِ بتَقديمِ الثَّناءِ عليهم قبلَ طَلبِ الحَوائِجِ منهم؛ لِتَنبَسِطَ نُفوسُهُم لإنالَتِها، أمرَنا اللهُ بتَقديمِ الثَّناءِ على الدُّعاءِ؛ كقولِ أُميَّةَ بنِ أبي الصَّلتِ:


(١) «بداية المجتهد» (١/ ١٨٢).
(٢) الفتاوى «الكبرى» (٤/ ٤٢٢).
(٣) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أحمدُ في «الزُّهد» (٤٦)، والبَيهَقيُّ في «الشُّعَبِ» (٢/ ٢٦٢)، والخَرائِطِيُّ في «مَكارِمِ الأخلاق» (٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>