للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلاةَ لأنَّها أَولَى الأحوالِ بدَفعِه؛ لمَا فيه مِنْ الخُروجِ عن اعتِدالِ الهَيئةِ واعوِجاجِ الخِلقةِ.

قالَ الحافِظُ: وأمَّا قولُه في رِوايةِ أبي سَعيدٍ في ابنِ ماجه (١): «ولا يَعوِي»، شَبَّهَ التَّثاؤُبَ الذي يَترسَّلُ معه بعُواءِ الكَلبِ؛ تَنفيرًا عنه، واستِقباحًا له؛ فإنَّ الكَلبَ يَرفَعُ رَأسَه ويَفتَحُ فاه ويَعوِي، والمُتَثائِبُ إذا أفرَطَ في التَّثاؤُبِ شابَهَهُ، ومِن هنا تَظهَرُ النُّكتَةُ في كَونِه يَضحَكُ منه؛ لأنَّه صَيَّرَه مَلعَبَةً له، بتَشويهِ خَلقِه في تلك الحالةِ، وأمَّا قولُه في رِوايةِ مُسلِمٍ: «فإنَّ الشَّيطانَ يَدخلُ»، فَيَحتَمِلُ أن يُرادَ به الدُّخولُ حَقيقةً، وهو إن كانَ يَجرِي مِنْ الإنسانِ مَجرَى الدَّمِ، لا يَتمَكَّنُ منه ما دامَ ذاكِرًا للهِ تَعالى، والمُتَثائِبُ في تلك الحالةِ غيرَ ذاكِرٍ؛ فيَتمَكَّنُ الشَّيطانُ مِنْ الدُّخولِ فيه حَقيقةً، ويَحتَمِلُ أن يَكونَ أطلَقَ الدُّخولَ وأرادَ التَّمَكُّنَ منه؛ لأنَّ مِنْ شَأنِ مَنْ دخلَ في شَيءٍ أن يَكونَ مُتَمَكِّنًا منه، وأمَّا الأمرُ بوَضعِ اليَدِ على الفَمِ، فيَتَناوَلُ ما إذا انفَتَحَ بالتَّثاؤُبِ، فيُغَطِّيه بالكَفِّ ونحوِه، وما إذا كانَ مُنطَبِقًا؛ حِفظًا له من الانفِتاحِ بسَببِ ذلك، وفي مَعنى وَضعِ اليَدِ على الفَمِ وَضعُ الثَّوبِ ونحوِه، ممَّا يُحَصِّلُ ذلك المَقصودَ، وإنَّما تَتَعَيَّنُ اليَدُ إذا لم يَرتَدَّ التَّثاؤُبُ بدُونِها، ولا فَرقَ في هذا الأمرِ بينَ المُصلِّي وغيرِه، بل يَتأَكَّدُ في حالِ الصَّلاةِ (٢).


(١)
(٢) «فتح الباري» (١٠/ ٦١٢)، و «بدائع الصنائع» (١/ ٢١٥، ٢١٦)، و «شرح مسلم» (١٨/ ١٢٢)، و «عُمدة القاري» (٢٢/ ٢٢٨)، و «الكافي» (١/ ١٧٣)، و «كشاف القناع» (١/ ٣٧٣)، و «المجموع» (٤/ ١١٠)، و «البحر الرائق» (٢/ ٢٧)، و «الإفصاح» (١/ ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>