فهذا هوَ اختِلافُهم في صَريحِ الطَّلاقِ مِنْ غَيرِ صَريحِه.
وإنَّما اتَّفقُوا على أنَّ لفْظَ الطَّلاقِ صَريحٌ؛ لأنَّ دَلالتَه على هذا المعنَى الشَّرعيِّ دَلالةٌ وَضعيَّةٌ بالشَّرعِ، فصارَ أصلًا في هذا البابِ.
وأمَّا ألفاظُ الفِراقِ والسَّراحِ فهي مُتردِّدةٌ بيْنَ أنْ يكونَ للشَّرعِ فيها تَصرُّفٌ -أعنِي: أنْ تَدلَّ بعُرفِ الشَّرعِ على المَعنَى الَّذي يَدلُّ عليهِ الطَّلاقُ- أو هي باقيةٌ على دَلالتِها اللُّغويةِ، فإذا استُعمِلَتْ في هذا المَعنَى -أعنِي: في معنَى الطَّلاقِ- كانَتْ مَجازًا؛ إذْ هذا هو مَعنَى الكِنايةِ -أعنِي: اللَّفظ الَّذي يكونُ مَجازًا في دَلالتِه-، وإنَّما ذهَبَ مَنْ ذهَبَ إلى أنهُ لا يقَعُ الطَّلاقِ إلَّا بهذِه الألفاظِ الثَّلاثِ؛ لأنَّ الشَّرعَ إنَّما ورَدَ بهذه الألفاظِ الثَّلاثةِ، وهي عِبادةٌ ومِن شَرطِها اللَّفظُ، فوجَبَ أنْ يُقتصرَ بها على اللَّفظِ الشَّرعيِّ الوارِدِ فيها.
فأمَّا اختِلافُهمُ في أحكامِ صَريحِ ألفاظِ الطَّلاقِ ففيهِ مَسألتانِ مَشهورَتانِ: إحداهُما: اتَّفقَ مالِكٌ والشَّافعيُّ وأبو حَنيفةَ عليها، والثَّانيةُ: اختَلفُوا فيها.