للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتَجَّ بَعضُ العُلماءِ في ذلكَ بقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾ [البقرة: ٢٣١]، وقالَ: لو أطلَقَ للنَّاسِ ذلكَ لَتَعطَّلتِ الأحكامُ ولم يَشأْ مُطلِّقٌ أو ناكِحٌ أو مُعتِقٌ أنْ يَقولَ: «كُنْتُ في قَولي هازِلًا»، فيكونُ في ذلكَ إبطالُ أحكامِ اللهِ ، وذلكَ غَيرُ جائزٍ، فكُلُّ مَنْ تَكلَّمَ بشيءٍ ممَّا جاءَ ذِكْرُه في هذا الحَديثِ لَزمَه حُكمُه، ولَم يُقبَلْ منهُ أنْ يَدَّعيَ خِلافَه، وذلكَ تأكيدٌ لأمرِ الفُروجِ واحتِياطٌ لهٌ، واللهُ أعلَمُ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قَدامةَ : مَسألةٌ: قالَ: (وإذا أتَى بصَريحِ الطَّلاقِ لَزمَه، نَواهُ أو لم يَنوِهِ).

قد ذَكَرْنا أنَّ صَريحَ الطَّلاقِ لا يَحتاجُ إلى نيَّةٍ، بلْ يَقعُ مِنْ غَيرِ قصدٍ، ولا خِلافَ في ذلكَ، ولأنَّ ما يُعتبَرُ لهُ القولُ يكتَفى فيهِ بهِ مِنْ غيرِ نيَّةٍ إذا كانَ صَريحًا فيهِ كالبَيعِ، وسَواءٌ قصَدَ المَزحَ أو الجِدَّ؛ لقَولِ النَّبيِّ : «ثلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ وهَزلُهنَّ جِدٌّ: النِّكاحُ والطَّلاقُ والرَّجعةُ» رَواهُ أبو داودَ والتِّرمذيُّ وقالَ: حَديثٌ حسَنٌ.

قالَ ابنُ المُنذِرِ: أجمَعَ كلُّ مَنْ أحفَظُ عنهُ مِنْ أهلِ العِلمِ على أنَّ جِدَّ الطَّلاقِ وهَزْلَه سواءٌ، رُويَ هذا عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ وابنِ مَسعُودٍ، ونحوُه عَنْ عَطاءٍ وعُبيدةَ، وبهِ قالَ الشَّافعيُّ وأبو عُبيدٍ، قالَ أبو عُبيدٍ: وهوَ قولُ سَفيانَ وأهلِ العِراقِ، فأمَّا لفظُ الفِراقِ والسَّراحِ فيَنبنِي على الخِلافِ فيهِ،


(١) «معالم السنن» (٣/ ٢٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>