قالَ العَمرانِيُّ ﵀: إذا شكَّ الرَّجلُ هلْ طَلَّقَ امرأتَهُ أم لا؟ لَم يَلزَمْه الطَّلاقُ -وهوَ إجماعٌ-؛ لأنَّ الأصلَ بقاءُ النِّكاحِ وعَدَمُ الطَّلاقِ.
وقالَ الشَّافعيُّ: (والوَرَعُ والاحتِياطُ أنْ يُحنِثَ نَفْسَه، فإنْ كانَ يَعرِفُ مِنْ عادتِهِ أنَّه إذا طلَّقَ امرأتَهُ طلَّقَ واحدةً أو اثنتَينِ .. راجَعَها، وإنْ كانَ يَعرِفُ مِنْ عادَتِه أنَّه يُطلِّقُ الثَّلاثَ .. طلَّقَها ثلاثًا، فتَحلُّ لغَيرهِ بيقينٍ) (١).
وهكذا قالَ الماوَرْديُّ ﵀: فإنْ كانَ شَكَّ في أصلِه هلْ طلَّقَ أم لا؟ لم يَلزَمْه الطَّلاقُ؛ اعتِبارًا باليقينِ في بقاءِ النِّكاحِ، وإسقاطًا للشَّكِّ في رفْعِه بالطَّلاقِ، وهذا مُتفَقٌ عَليهِ، لكنَّ الورَعَ أنْ يَلتزمَ حُكمَ الطَّلاقَ حتَّى لا يَستَبيحَ بُضعًا بالشَّكِّ، فإنْ كانَ الشَّكُّ في طَلقةٍ واحدةٍ هلْ أوقَعَها أم لا؟ فالتِزامُهُ لحُكمِها ورَعًا أنْ يَرتجِعَها، فإنْ كانَ قدْ طلَّقَ حلَّتْ لهُ بالرَّجعَةِ، وإنْ لم يكنْ قدْ طلَّقَ لم تَضرَّهُ الرَّجعَةُ ويَستَبقيها على طَلقتَينِ، وإنْ كانَ الشَّكُّ في الطَّلاقِ الثَّلاثِ هلْ أوقَعَها أم لا؟ فالورَعَ أنْ يَتْرُكَ الاستِمتاعَ بها، أنْ يَعتَزِلَها ويَلتزِمَ نفَقَتَها، فيَغلِبُ الشَّكُّ في اعتِزالِ الوَطءِ، واليَقينُ في التِزامِ النَّفقةِ، وإنْ
(١) «البيان» (١٠/ ٢٢٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute