وتَفسيرِه اختِلافًا كَثيرًا؛ لِهذه الأحادِيثِ، والصَّوابُ الذي لا مَعدِلَ عنه أنَّ الإقعاءَ نَوعانِ:
أحَدُهما: أن يُلصِقَ أليَتَيهِ بالأرضِ، ويَنصِبَ ساقَيهِ ويَضَعَ يَده على الأرضِ، كإقعاءِ الكَلبِ. هكذا فسَّره أبو عُبَيدَةَ مَعمَرُ بنُ المُثَنى وصاحِبُه أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سَلامٍ وآخَرونَ مِنْ أهلِ اللُّغةِ، وهذا النَّوعُ هو المَكروهُ الذي وردَ فيه النَّهيُ.
والنَّوعُ الآخَرُ: أن يَجعلَ أليَتَيه على عَقِبَيه بينَ السَّجدتَينِ، وهذا هو مُرادُ ابنِ عبَّاسٍ بقولِه:«سُنَّةُ نَبيِّكم». وقد نصَّ الشافِعيُّ على استِحبابِه في الجُلوسِ بينَ السَّجدتَينِ، وحَمَلَ حَديثَ ابنِ عبَّاسٍ عليه جَماعاتٌ مِنْ المُحقِّقينَ، منهم البَيهَقِيُّ والقاضي عِياضٌ، وآخَرونَ، ﵏.
قالَ القاضي: وقد رُويَ عن جَماعةٍ مِنْ الصَّحابةِ والسَّلفِ أنَّهم كانوا يَفعلونَه، قالَ: وكذا جاءَ مُفَسَّرًا عن ابنِ عبَّاسٍ ﵄: «مِنَ السُّنةِ أَنْ تُمِسَّ عَقِبَيكَ أليَتَيكَ». هذا هو الصَّوابُ في تَفسيرِ حَديثِ ابنِ عبَّاسٍ، وقد ذكَرنا أنَّ الشافِعيَّ ﵁ نصَّ على استِحبابِه في الجُلوسِ بينَ السَّجدتَينِ، وله نَصٌّ آخَرُ، وهو الأشهَرُ، أنَّ السُّنةَ فيه الافتِراشُ، وحاصِلُه أنَّهما سُنَّتانِ، وأيُّهما أفضَلُ؟ فيه قَولانِ، وأمَّا جَلسةُ التشهُّدِ الأوَّلِ، وجَلسةُ الاستِراحةِ، فسُنَّتُهما الافتِراشُ، وجَلسةُ التشهُّدِ الأخيرِ السُّنةُ فيها التَورُّكُ (١).
(١) «شَرح مُسلِم» (٤/ ١٩٢) (٥ و ١٨)، و «معاني الآثار» (٢/ ٧٩)، وابن عابدين (١/ ٦٤٣)، و «حاشية الطحطاوي» (١/ ٢٣٦)، و «المدوَّنة» (١/ ٧٣)، و «التَّمهيد» (١٦/ ٢٧٣)، وما بعدها، و «التاج والإكليل» (١/ ٥٥٠)، و «الذخيرة» (٢/ ١٩١)، و «مُغني المحتاج» (١/ ١٥٤)، و «كشاف القناع» (١/ ٣٧١)، و «المغني» (٢/ ٧٧)، و «بداية المجتهد» (١/ ١٩٧)، و «المجموع» (٣/ ٤٠٠).