للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكانَ ما حَكاهُ الزُّهريُّ مِنْ ذلكَ هو على قَولِ الرَّجلِ لامرأةٍ لا نِكاحَ بيْنَه وبيْنَها: «أنتِ طالِقٌ»، لا على قَولهِ لها: «إذا تَزوَّجتُكِ فأنتِ طالِقٌ».

ورَوى مَعمرٌ عَنْ الزُّهريِّ أنهُ قالَ في قَولِه: «لا طلاقَ قبْلَ نكاحٍ، ولا عِتقَ إلَّا بعْدَ المِلكِ» إنَّما ذلكَ أنْ يَقولَ الرَّجلُ: «امرأةُ فُلانٍ طالِقٌ، أو عَبدُ فُلانٍ حُرٌّ».

ويَدلُّ عليهِ قَولُه تعالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، اقتَضَى ظاهِرُه إلزامَ كلِّ عاقِدٍ مُوجَبَ عَقدِه ومُقتضاهُ، فلمَّا كانَ هذا القائِلُ عاقِدًا على نَفسِهِ إيقاعَ طلاقٍ بعْدَ النِّكاحِ وجَبَ أنْ يَلزَمَه حُكمُه، ويَدلُّ عَليهِ قَولُه : «المُسلِمونَ عِنْدَ شُروطِهمِ» أوجَبَ ذلكَ أنَّ كلَّ مَنْ شرَطَ على نَفسِه شَرطًا أُلزِمَ حُكمَهُ عِنْدَ وُجودِ شَرطِه.

ويَدلُّ عليهِ مِنْ طَريقِ النَّظرِ اتِّفاقُ الجَميعِ على أنَّ النَّذرَ لا يَصحُّ إلَّا في مِلكٍ، وإنَّ مَنْ قالَ: «إنْ رَزقَنِي اللهُ ألْفَ دِرهَمٍ فلِلَّهِ عَليَّ أنْ أتصدَّقَ بمِائةٍ مِنها» أنهُ ناذِرٌ في مِلكِه مِنْ حَيثُ أضافَهُ إليهِ وإنْ لَم يَكنْ مالِكًا في الحالِ، فكذلكَ الطَّلاقُ والعِتقُ إذا أضافَهُما إلى المِلكِ كانَ مُطلِّقًا ومُعتِقًا في المِلكِ، ويَدلُّ عليهِ أنَّ مَنْ قالَ لجارِيتِه: «إنْ وَلدْتِ ولَدًا فهوَ حُرٌّ» فحَملَتْ بعْدَ ذلكَ ووَلدَتْ أنَّهُ يُعتَقُ وإنْ لم يَكنْ مالِكًا في حالِ القَولِ؛ لأنَّ الوَلدَ مُضافٌ إلى الأمِّ الَّتي هو مالِكُها، كذلكَ إذا أضافَ العِتقَ إلى المِلكِ فهوَ مُعتقٌ في المِلكِ وإنْ لم يَكنْ لهُ مِلكٌ مَوجودٌ في الحالِ، وأيضًا قدِ اتَّفقَ الجَميعُ على أنَّهُ إذا قالَ لامرَأتِه: «إنْ دَخلتِ الدَّارَ فأنتِ طالِقٌ» فدَخَلتْها معَ

<<  <  ج: ص:  >  >>