وبيْنَ هذهِ الوُجوهِ، وهو أيضًا مُقتضَى كَلامِ الشَّافعيِّ؛ فإنَّه يُسمِّي نَذرَ اللَّجاجِ والغَضَب يَمينَ الغَلَقِ ونَذرَ الغَلَقِ، هذا اللَّفظُ يُريدُ بهِ نَذرَ الغَضبِ، وهوَ قولُ غَيرِ واحِدٍ مِنْ أئِمةِ اللُّغةِ، والقَولُ بمُوجَبِه هوَ مُقتضَى الكِتابِ والسَّنةِ وأقوالِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ وأئمَّةِ الفُقهاءِ، ومُقتضَى القِياسِ الصَّحيحِ والاعتِبارِ وأصولِ الشَّريعةِ.
ثمَّ ذكَرَ ﵀ خَمسَةَ أوجُهٍ مِنَ القُرآنِ، وثلاثةً مِنَ السُّنةِ، ووَجهانِ عَنِ الصَّحابَةِ، وخَمسةً وعِشرِينَ وَجهًا مِنَ الاعتِبارِ وأُصولِ الشَّريعَةِ.
وهوَ أوَّلُ مَنْ قسَّمَ الغَضبَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ، ونقَلَ هذهِ الأقسامَ الثَّلاثةَ ابنُ عابدِينَ الحَنفيِّ والرُّحَيبانِيُّ الحَنبلِيُّ وغَيرُهُما.
= أظنُّه الغَضبَ، وتَرجمَ على الحَديثِ الطَّلاقُ على غَيظٍ ووقَعَ عِندَه بغَيرِ أَلِفٍ في أوَّلِه، وحكَىَ البَيهقيُّ أنَّهُ روِيَ على الوجهَينِ، ووقَعَ عِنْدَ ابنِ ماجَه في هذا الحَديثِ الإغلاقُ بالألِفِ وتَرجَمَ عليهِ: طلاقُ المُكرَهِ، فإنْ كانَتِ الرِّوايةُ بغَيرِ ألِفٍ هيَ الرَّاجِحةُ فهوَ غيرَ الإغلاقِ، قالَ المُطَرِّزِيُّ: قولُهُم: إيَّاكَ والغَلْقَ، أي الضَّجَرَ والغضَبَ، ورَدَّ الفارسيُّ في «مَجمَع الغَرائبِ» على مَنْ قالَ: الإغلاقُ الغضَبُ، وغلَّطَه في ذلكَ وقالَ: إنَّ طلاقَ النَّاسِ غالبًا إنَّما هوَ في حالِ الغضَبِ، وقالَ ابنُ المرابِطِ: الإغلاقُ حَرَجُ النَّفسِ، وليسَ كلُّ مَنْ وقَعَ لهُ فارَقَ عقْلَه، ولو جازَ عَدمُ وُقوعِ طلاقِ الغضبانِ لَكانَ لِكلِّ أحدٍ أنْ يقولَ فيما جَناهُ: كُنْتُ غَضبانًا. اه، وأرادَ بذلكَ الرَّدَ على مَنْ ذَهبَ إلى أنَّ الطَّلاقَ في الغَضبِ لا يَقعُ، وهو مَرويٌّ عَنْ بَعضِ مُتأخِّرِي الحَنابلةِ، ولم يُوجَدْ عن أحدٍ مِنْ مُتَقدِّميهم إلَّا ما أشارَ إليهِ أبو داودَ، وأمَّا قَولُه في «المَطالِع»: الإغلاقُ الإكراهُ، وهو مِنْ أغلَقْتُ البابَ، وقيلَ: الغَضبُ، وإليهِ ذهَبَ أهلُ العِراقِ، فليسَ بمَعروفٍ عنِ الحَنفيَّةِ. «فتح الباري» (٩/ ٣٨٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute