ﷺ فأخبَرتْهُ بذلكَ وقالَتْ: إنَّهُ لم يُرِدِ الطَّلاقَ، فقالَ النَّبيُّ ﷺ:«ما أَراكِ إلَّا حَرُمْتِ عليهِ» أخرَجُه ابنُ أبي حاتِمٍ، وذكَرَ القصَّةَ بطُولِها، ففي آخِرِها قالَ:«فحوَّلَ اللهُ الطَّلاقَ فجعَلَه ظِهارًا».
ومنها: ما رُويَ عَنْ ابنِ عبَّاسٍ وعائِشةَ وغَيرِهِما في ذلكَ وأطالَ. وذلكَ في شَرحِ الحَديثِ السَّادسَ عشَرَ مِنْ الأحاديثِ المَذكورةِ، وأنكَرَ على مَنْ يَقولُ بخِلافِ ذلكَ؛ لأنَّهُ مُكلَّفٌ على ما دَلَّتْ عليهِ الأخبارُ، وقَولُهُ:(خِلافًا لابنِ القَيِّمِ) فيهِ نَظَرٌ؛ فإنَّ ابنَ القيِّمِ لم يَقُلْ بعَدمِ وُقوعِ طَلاقِ الغَضبانِ مُطلَقًا، بل أَفرَدَ هذهِ المَسألةَ برِسالةٍ سمَّاها «إغاثَة اللَّهفانِ في حُكمِ طلاقِ الغَضبانِ».
وفصَّلَ فيها فقالَ: الغَضبُ ثلاثةُ أقسامٍ:
أحَدُها: أنْ يَحصُلَ للإنسانِ مَبادِئُه وأوائِلُه، بحَيثُ لا يَتغيَّرُ عليهِ عَقلُه ولا ذِهنُه، ويَعلمُ ما يَقولُ ويَقصِدُه؛ فهذا لا إشكالَ في وُقوعِ طَلاقِه وعِتقِه وصحِّةِ عُقودِهِ، ولا سِيَّما إذا وقَعَ مِنهُ ذلكَ بعْدَ تَردُّدِ فِكرِه.
القِسمُ الثَّاني: أنْ يَبلُغَ بهِ الغَضبُ نهايَتَه بحَيثُ يَنغلِقُ عليهِ بابُ العِلمِ والإرادةِ، فلا يَعلَمُ ما يَقولُ ولا يُريدُه؛ فهذا لا يَتوجَّهُ خِلافٌ في عَدمِ وُقوعِ طَلاقِهِ، والغضَبُ غُفولُ العَقلِ، فإذا اغتالَ الغَضبُ عقْلَهُ حتَّى لَم يَعلمْ ما يَقولُ فلا رَيبَ أنَّه لا يَنفُذُ شَيءٌ مِنْ أقوالِهِ في هذهِ الحالةِ، فإنَّ أقوالَ المُكلَّفِ إنَّما تَنفُذُ معَ عَلمِ القائِلِ بصُدورِها منهُ ومَعناها وإرادَتِه للتكلُّمِ.