للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختَلفُوا في المُكرَهِ يَظنُّ أنَّ الطَّلاقَ يَقعُ بهِ فيَنويهِ، هلْ يَلزمُه؟ على قَولينِ، وهُمَا وَجهانِ للشَّافعيَّةِ، فمَن ألزَمَه رَأى أنَّ النِّيةَ قد قارنَتِ اللَّفظَ، وهوَ لم يُكرَهْ على النِّيةِ، فقَدْ أتَى بالطَّلاقِ المَنْويِّ اختيارًا فلَزمَه، ومَن لم يُلزِمْه بهِ رَأى أنَّ لفْظَ المُكرَهِ لغوٌ لا عِبرةَ بهِ، فلم يَبقَ إلَّا مُجرَّدُ النِّيةِ، وهيَ لا تَستَقلُّ بوُقوعِ الطَّلاقِ.

فصلٌ: التَّوريةُ في طَلاقِ المُكرَهِ.

واختُلفَ في ما لو أمكَنَه التَّوريةُ فلم يُوَرِّ، والصَّحيحُ أنَّه لا يَقعُ بهِ الطَّلاقُ وإنْ ترَكَها، فإنَّ اللهَ تعالَى لم يُوجِبِ التَّوريةِ على مَنْ أُكرِهَ على كَلمةِ الكُفرِ وقَلبُه مُطمَئنٌّ بالإيمانِ، معَ أنَّ التَّوريةَ هُناكَ أَولَى، ولكنَّ المُكرَهَ إنَّما لَم يُعتبَرْ لَفظُه؛ لأنَّه غَيرُ قاصِدٍ لِمعناهُ، ولا مُريدٍ لمُوجَبِه، وإنَّما تَكلَّمِ به فِداءً لنَفسِهِ مِنْ ضَررِ الإكراهِ، فصارَ تَكلُّمُه باللَّفظِ لغوًا بمَنزلةِ كَلامَ المَجنونِ والنَّائمِ ومَن لا قصْدَ لهُ، سواءٌ وَرَّى أو لم يُوَرِّ.

وأيضًا: فاشتِراطُ التَّوريةِ إبطالٌ لرُخصَةِ التَّكلُّمِ معَ الإكراهِ، ورُجوعٌ إلى القَولِ بنُفوذِ طَلاقِ المُكرَهِ، فإنَّه لَو وَرَّى بغَيرِ إكراهٍ لَم يقَعْ طَلاقُه، والتَّأثيرُ إذًا إنَّما هو للتَّوريةِ لا للإكراهِ، وهذا باطِلٌ، وأيضًا فإنَّ المُوَرِّي إنَّما لم يَقعْ طَلاقُه معَ قَصدِه للتَّكلُّمِ باللَّفظِ؛ لأنَّه لَم يَقصِدْ مَدلولَه، وهذا المَعنَى بعَينِه ثابِتٌ في الإكراهِ، فالمَعنَى الَّذي مَنَعَ مِنْ النُّفوذِ في التَّوريةِ هوَ الَّذي مَنَعَ النُّفوذَ في الإكراهِ (١).


(١) «إعلام الموقعين» (٤/ ٥٣، ٥٤)، ويُنظر: و «النجم الوهاج» (٧/ ٥٠٣، ٥٠٤)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٤٧٠، ٤٧١)، و «تحفة المحتاج» (٩/ ٣٧٤، ٣٨٧)، و «نهاية المحتاج» (٦/ ٥١٣، ٥١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>