للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّطويلِ، ولِاتِّصالِها بصَلاةِ اللَّيلِ، وقُربِها مِنْ السَّحَرِ وساعةِ الإجابةِ، ولِلتَّنزِيلِ الإلهِيِّ، ولأنَّها الصَّلاةُ المَشهودَةُ التي يَشهَدُها اللهُ ومَلائِكَتُه، أو مَلائِكةُ اللَّيلِ والنَّهارِ، كما رُويَ هذا، وهذا في تَفسيرِ قولِه تَعالى: ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨].

وصحَّ عن أبي هُريرةَ أنَّه قالَ: «وَاللَّهِ لَأَنَا أَقرَبُكُم صَلاةً بِرَسولِ اللهِ »، فَكانَ أَبُو هُريرةَ يَقنُتُ في الرَّكعَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ صَلاةِ الصُّبحِ بعدَمَا يَقولُ: «سمِع اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، فَيَدعُو لِلمُؤمِنِينَ، وَيَلعَنُ الكُفَّارَ (١).

ولا رَيبَ أنَّ رَسولَ اللهِ فعلَ ذلك، ثم تركَه، فَأَحبَّ أبو هُريرةَ أن يُعلِّمَهم أنَّ مثلَ هذا القُنوتِ سُنَّةٌ، وأنَّ رَسولَ اللهِ فعلَه، وهذا رَدٌّ على أهلِ الكُوفةِ -أي: الحَنفيَّةِ- الَّذينَ يَكرَهونَ القُنوتَ في الفَجرِ مُطلَقًا عندَ النَّوازِلِ وعندَ غيرِها، ويَقولُونَ: هو مَنسوخٌ، وفِعلُه بِدعةٌ.

فأهلُ الحَديثِ مُتوسِّطونَ بينَ هَؤلاءِ وبينَ مَنِ استَحَبَّه عندَ النَّوازِلِ وغيرِها؛ وهُم أسعَدُ بالحَديثِ مِنْ الطَّائِفَتَينِ؛ فإنَّهم يَقنُتونَ حيثُ قنَت رَسولُ اللهِ ، ويترُكونَه حيثُ تركَه، فيَقتَدونَ به في فِعلِه وتَركِه، ويَقولُونَ: فِعلُه سُنَّةٌ، وتَركُه سُنَّةٌ، ومع هذا لا يُنكِرُونَ على مَنْ دَاوَمَ عليه، ولا يَكرَهُونَ فِعلَه، ولا يَرَونَه بِدعةً، ولا فاعِلَه مُخالِفًا لِلسُّنَّةِ، كما لا يُنكِرونَ على مَنْ أنكَرَه عندَ النَّوازِلِ، ولا يَرَونَ تَركَه بِدعةً ولا تاركَه مُخالِفًا لِلسُّنَّةِ، بل مَنْ قنَت فقد أحسَنَ، ومَن تركَه فقد أحسَنَ (٢).


(١) رَواه البخاري (٧٦٤).
(٢) «زاد المعاد» (١/ ٢٧٢، ٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>