للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفَجرِ، وفي غيرِها مِنْ الصَّلواتِ، وهكذا كانَ عمرُ يَقنُتُ لمَّا حارَبَ النَّصارَى بدُعائِه الذي فيه: «اللَّهُمَّ العَن كفرَةَ أَهلِ الكتابِ» إلى آخرِه، وكذلك علِيٌّ لمَّا حارَبَ قَومًا قنَت يَدعُو عليهم. ويَنبَغي لِلقانِتِ أن يَدعُوَ عندَ كلِّ نازِلةٍ بالدُّعاءِ المُناسِبِ لتلك النَّازِلةِ، وإذا سَمَّى مَنْ يَدعُو لهم مِنْ المُؤمِنينَ، ومَن يَدعُو عليهم مِنْ الكافِرينَ المُحارِبينَ كانَ ذلك حَسَنًا (١).

وقالَ ابنُ القَيِّمِ : والإفصاحُ الذي يَرتَضِيهِ العالِمُ المُنصِفُ أنَّه جهرَ وأَسرَّ، وقنَت وتركَ، وكانَ إسرارُه أكثرَ مِنْ جَهرِه، وتَركُه القُنوتَ أكثرَ مِنْ فِعلِه، فإنَّه إنَّما قنَت عندَ النَّوازِلِ لِلدُّعاءِ لِقَومٍ، ولِلدُّعاءِ على آخَرينَ، ثم تركَه لمَّا قَدِمَ مَنْ دَعا لهم، وتَخَلَّصوا مِنْ الأسرِ وأسلَمَ مَنْ دَعا عليهم، وجاؤُوا تائِبينَ، فكانَ قُنوتُه لِعارِضٍ، فلمَّا زالَ تركَ القُنوتَ، ولم يَختَصَّ الفَجرَ، بل كانَ يَقنُتُ في صَلاةِ الفَجرِ وصَلاةِ المَغربِ، ذكرَه البُخاريُّ في صَحِيحِه عن أنَسٍ، وقد ذكرَه مُسلِمٌ عن البَراءِ، وذكرَ الإمامُ أحمدُ عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: «قنَت رَسولُ اللَّهِ شَهرًا مُتَتَابِعًا في الظُّهرِ وَالعَصرِ وَالمَغربِ وَالعِشاءِ وَالصُّبحِ في دُبُرِ كلِّ صَلاةٍ، إِذَا قالَ: سمِع اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، مِنْ الرَّكعَةِ الأَخِيرَةِ، يَدعُو على حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيمٍ، على رِعلٍ وَذَكوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خلفَه» ورَواه أبو داودَ (٢).

وكانَ هَديُه القُنوتَ في النَّوازِلِ خاصَّةً، وتَركَه عندَ عدمِها، ولم يكن يَخُصُّه بالفَجرِ، بل كانَ أكثرُ قُنوتِه فيها لِأجلِ ما شُرِعَ فيها مِنْ


(١) «الفتاوى الكبرى» (٢/ ٤٧٧، ٤٧٨).
(٢) رَواه الإمام أحمد (١/ ٣٠١)، وأبو داود (١٤٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>