للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)[الرحمن: ١، ٢] ولم يَقُلْ: الرَّحمنُ خلَقَ القُرآنَ، وقَولُه تَعالى: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢)[يس: ١، ٢] ولم يَقُلْ: يَس والقُرآنِ المَخلوقِ، فقالَ المُعتصِمُ: احبِسوه، فحُبسَ وتفرَّقَ الناسُ.

فلمَّا كانَ من الغَدِ، جلَسَ المُعتصمُ على كُرسيِّه، وقالَ: هاتوا أَحمدَ بنَ حَنبلٍ، فاجتمَعَ الناسُ، وسُمعَت لهم ضَجةٌ ببَغدادَ، فلمَّا جِيءَ به، وقَفَ بينَ يَدَيه، والسُّيوفُ قد جُرِّدت، والرِّماحُ قد رُكِزَت، والأَتراسُ نُصبَت، والسِّياطُ قد طُرحَت، فسألَه المُعتصِمُ عمَّا يَقولُ في القُرآنِ، قالَ: أَقولُ: غيرُ مَخلوقٍ، قالَ: ومِن أينَ قُلتَ؟ فقالَ: حَدَّثني عبدُ الرَّزاقِ عن مَعمَرٍ عن الزُّهريِّ، عن أنَسٍ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ : «إنَّ اللهَ كلَّمَ مُوسى بمِئةِ ألفِ كَلمةٍ وعِشرينَ ألفَ كَلمةٍ وثَلاثِمئةِ كَلمةٍ وثَلاثَ عَشرةَ كَلمةً فكانَ الكَلامُ من اللهِ والاستِماعُ من مُوسى» ثم قالَ: قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة: ١٣]، فإنْ يَكنِ القَولُ من اللهِ تَعالى فإنَّ القُرآنَ كَلامُ اللهِ.

وأحضَرَ المُعتصِمُ له الفُقهاءَ والقُضاةَ، فناظَروا بحَضرتِه، في مُدةِ ثَلاثةِ أَيامٍ، وهو يُناظِرُهم، ويَظهَرُ عليهم بالحُججِ القاطِعةِ، ويَقولُ: أنا رَجلٌ علِمتُ عِلمًا، ولم أَعلمْ فيه بهذا، أَعطونِي شَيئًا من كِتابِ اللهِ وسُنةِ رَسولِه حتى أَقولَ به، وكُلَّما ناظَروه وألزَموه القَولَ بخَلقِ القُرآنِ، يَقولُ لهم: كيف أَقولُ ما لم يُقَلْ؟ وكانَ من المُعتصِمينَ (١) عليه مُحمدُ بنُ


(١) كذا وهو صَوابٌ ولعلَّه من المُتعصِّبينَ كما أشارَ إليه في الهامِش الأُستاذ/ مُحمَّد مُحيي الدِّينِ عَبد الحَميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>