للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَوتِ، فاتَّقِ اللهَ، ولا تُجِبْهم إلى شَيءٍ، فجعَلَ أَحمدُ يَبكي، ويَقولُ: ما شاءَ اللهُ!! ما شاءَ اللهُ!!

ثم سارَ أَحمدُ إلى المَأمونِ، فبلَغَه تَوعُّدُ الخَليفةِ له بالقَتلِ، إنْ لم يُجِبْه إلى القَولِ بخَلقِ القُرآنِ، فتَوجَّهَ الإِمامُ أَحمدُ بالدُّعاءِ إلى اللهِ تَعالى، ألَّا يَجمعَ بينَه وبينَه، فبَينا هو في الطَّريقِ، قبلَ وُصولِه إليه إذ جاءَهم الصَّريخُ بمَوتِ المَأمونِ.

وكانَ مَوتُه في شَهرِ رَجبٍ، عامَ ثَمانيةَ عَشرَ ومِئتَينِ، فرُدَّ الإِمامُ إلى بَغدادَ، وحُبسَ، ثم وَلي الخِلافةَ المُعتصمُ، وهو أَبو إِسحاقَ، مُحمدُ بنُ هارونَ الرَّشيدِ.

وقدِمَ من بِلادِ الرُّومِ، فدخَلَ بَغدادَ في مُستهلِّ شَهرِ رَمضانَ، عامَ ثَمانيةَ عَشرَ ومِئتَينِ، فامتُحنَ الإِمامُ أَحمدُ، وضُربَ بينَ يَدَيه.

وكانَ من خبَرِ المِحنةِ أنَّ المُعتصمَ لمَّا قصَدَ إِحضارَ الإِمامِ، ازدَحَم الناسُ على بابِه، كيَومِ عِيدٍ، وبسَطَ بمَجلِسِه بِساطًا، ونصَبَ كُرسيًّا جلَسَ عليه، ثم قالَ: أحضِروا أَحمدَ بنِ حَنبلٍ، فأَحضَروه، فلمَّا وقَفَ بينَ يَدَيه سلَّم عليه، فقالَ له: يا أَحمدُ، تَكلَّمْ ولا تَخَفْ، فقالَ الإمامُ أَحمدُ: واللهِ لقد دخَلتُ عليكَ وما في قَلبي مِثقالُ حَبةٍ من الفَزعِ، فقالَ له المُعتصمُ: ما تَقولُ في القُرآنِ؟ فقالَ: كَلامُ اللهِ قَديمٌ، غيرُ مَخلوقٍ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦]، فقالَ له: عندَك حُجةٌ غيرُ هذا؟ فقالَ: نَعَمْ، قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿الرَّحْمَنُ (١)

<<  <  ج: ص:  >  >>