للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ: وهذا غلَطٌ فاحِشٌ؛ لأنَّ عُمرَ لَا يَنسَخُ، ولَو نَسَخَ -وحاشاهُ- لبادَرَتِ الصَّحابةُ إلى إنكارِهِ، وإنْ أَرادَ هذا القائِلُ أنَّهُ نُسِخَ في زَمَنِ النَّبيِّ فذلكَ غَيرُ مُمتنِعٍ، ولكنْ يَخرُجُ عن ظاهِرِ الحَديثِ؛ لأنَّهُ لَو كانَ كذلكَ لم يَجُزْ للرَّاوي أنْ يُخبِرَ ببَقاءِ الحكْمِ في خِلافةِ أبي بَكرٍ وبَعضِ خِلافةِ عُمرَ.

فإنْ قِيلَ: فقدْ يُجمِعُ الصَّحابةُ على النَّسخِ فيُقبَلُ ذلكَ مِنهُم.

قُلنَا: إنَّما يُقبَلُ ذلكَ؛ لأنَّهُ يُستَدَلُّ بإجماعِهِم على ناسِخٍ، وأمَّا أنَّهم يَنسَخُونَ مِنْ تلقاءِ أنفُسِهِم فمَعاذَ اللهِ؛ لأنَّهُ إِجماعٌ على الخَطأِ، وهُم مَعصُومونَ مِنْ ذلكَ.

فإنْ قِيلَ: فلعَلَّ النَّسخَ إنَّما ظهَرَ لهُم في زمَنِ عُمرَ.

قُلنَا: هذا غلَطٌ أيضًا؛ لأنَّهُ يكونُ قد حصَلَ الإجماعُ على الخطَأِ في زمَنِ أبي بكرٍ، والمُحقِّقُونَ مِنَ الأُصوليِّينَ لا يَشتَرِطونَ انقراضَ العَصرِ في صحَّةِ الإِجماعِ، واللهُ أَعلمُ.

وأمَّا الرِّوايةُ الَّتي في سُنَنِ أبي داودَ أنَّ ذلكَ فيمَن لَم يدخلْ بهَا فقالَ بها قَومٌ مِنْ أصحابِ ابنِ عباسٍ فقَالُوا: لا يَقعُ الثَّلاثُ على غَيرِ المَدخولِ بهَا؛ لأنَّها تَبِينُ بواحدةٍ بقولِهِ: «أنتِ طالِقٌ»، فيكونُ قولُهُ «ثَلاثًا» حاصِلًا بعْدَ البَينُونةِ فلا يَقعُ بهِ شَيءٌ، وقالَ الجُمهورُ: هذا غلَطٌ، بل يقَعُ عليها الثَّلاثُ؛ لأنَّ قولَهُ: «أنتِ طالِقٌ» معنَاهُ ذاتُ طلاقٍ، وهذا اللَّفظُ يَصلُحُ لِلواحدَةِ والعَددِ، وقولُهُ بعدَهُ «ثلاثًا» تَفسيرٌ له، وأمَّا هذهِ الرِّوايةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>