للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ بعْضِ التَّابعِينَ، وهو شُذوذٌ لم يُعرِّجْ عليهِ أهلُ العِلمِ مِنْ أهْلِ الفِقهِ والأثَرِ في شَيءٍ مِنْ أمْصارِ المُسلمِينَ لِمَا ذكَرْنا.

ولأنَّ ابنَ عُمرَ الَّذي عرَضَتْ لهُ القَضيَّةُ احتَسَبَ بذلكَ الطَّلاقِ وأفْتَى بذلكَ، وهوَ مِمَّنْ لا يُدفَعُ عِلمُه بقِصَّةِ نفْسِهِ.

ومِن جِهَةِ النَّظرِ قَدْ عَلِمْنا أنَّ الطَّلاقَ ليسَ مِنَ الأعْمالِ الَّتي يُتقرَّبُ بها إلى اللهِ ﷿ فلا تقَعُ إلَّا على حسَبِ سُنَّتِها، وإنَّما هو زَوالُ عِصمةٍ فيها حقٌّ لِآدميٍّ، فكيفَما أَوقعَه وقَعَ، فإنْ أَوقَعَه لِسُنَّةٍ هُدِيَ ولم يَأثَمْ، وإنْ أَوقعَه على غَيرِ ذلكَ أَثِمَ ولَزمَه ذلكَ، ومُحالٌ أنْ يَلزَمَ المُطيعَ ولا يَلزمَ العاصِي، ولَو لَزمَ المُطيعَ المُوقِعَ لهُ إلَّا على سُنَّتِه ولَم يَلزمِ العاصِي لَكانَ العاصِي أخَفَّ حالًا مِنَ المُطيعِ، وقدِ احتَجَّ قَومٌ مِنْ أهْلِ العِلمِ بأنَّ الطَّلاقَ في الحَيضِ لازِمٌ؛ لقَولِ اللهِ ﷿: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾، يُريدُ أنَّه عصَى ربَّهُ وفارَقَ امرأتَهُ، وحَسْبُكَ بابنِ عُمرَ؛ فقَدْ أَنكرَ على مَنْ ظَنَّ أنَّهُ لا يُحتَسبُ بالطَّلاقِ في الحَيضِ (١).

وقالَ الإمامُ بَدرُ الدِّينِ العينِيُّ : إذا طُلِّقَتِ المرأةُ وهيَ حائِضٌ يُعتبَرُ ذلكَ الطَّلاقُ، وعليهِ أجمَعَ أئمَّةُ الفَتوى مِنَ التَّابعِينَ وغَيرِهم، وقالَتِ الظَّاهريَّةُ والخوارجُ والرَّافِضةُ: «لا يقَعُ»، وحُكيَ عنِ ابنِ عُليَّةَ أيضًا (٢).


(١) «التمهيد» (١٥/ ٥٨، ٥٩)، و «الاستذكار» (٦/ ١٤٦).
(٢) «عمدة القاري» (٢٠/ ٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>