وقالَ الإمامُ ولِيُّ اللهِ الدَّهلويُّ ﵀: السِّرُّ في ذلكَ -أي في تَحريمِ الطَّلاقِ في الحَيضِ- أنَّ الرَّجلَ قَدْ يُبغِضُ المَرأةَ بُغضةً طَبيعيَّةً ولا طاعةَ لها، مِثلَ كَونِها حائِضًا وفي هَيئةٍ رَثَّةٍ، وقَد يُبغِضُها لمَصلحةٍ يَحكُمُ بإقامتِها العَقلُ السَّليمُ معَ وُجودِ الرَّغبةِ الطَّبيعيَّةِ، وهذهِ هيَ المُتبعَةُ، وأكثرُ ما يكونُ النَّدمُ في الأوَّلِ، وفيهِ يقَعُ التَّراجعُ، وهذا داعيَةُ يَتوقَّفُ تهذيبُ النَّفسِ على إهمالِها وتَركِ اتِّباعِها، وقَد يَشتبهُ الأمرَانِ على كثيرٍ مِنَ النَّاسِ، فلا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ حَدٍّ يَتحقَّقُ بهِ الفَرقُ، فجُعلَ الطُّهرُ مَظنَّةً للرَّغبةِ الطَّبيعيَّةِ، والحَيضُ مَظنَّةً للبُغضةِ الطَّبيعيَّةِ، والإقدامُ على الطَّلاقِ على حينِ رَغبةٍ فيها مَظنَّةً للمَصلحةِ العقليَّةِ، والبقاءُ مُدَّةً طَويلةً على هذا الخاطِرِ معَ تَحوُّلِ الأحوالِ مِنْ حَيضٍ إلى طُهرٍ ومِن رَثاثةٍ إلى زِينةٍ ومِنِ انقِباضٍ إلى انبِساطٍ مَظنَّةً للعَقلِ الصُّراحِ والتَّدبيرِ الخالِصِ، فلذلكَ كُرِهَ الطَّلاقُ في الحَيضِ وأُمِرَ بالمُراجعةِ وتَخلُّلِ حَيضٍ جَديدٍ.
وأيضًا: فإنْ طلَّقَها في الحَيضِ؛ فإنْ عُدَّتْ هذهِ الحَيضةُ في العدَّةِ انتقَصَتْ مُدَّةُ العدَّةِ، وإنْ لَم تُعَدَّ تَضرَّرتِ المرأةُ بطُولِ العدَّةِ، سواءٌ كانَ المُرادُ بالقُروءِ الأطهَارُ أو الحِيَضُ، ففِي كُلِّ ذلكَ مُناقَضةٌ للحَدِّ الَّذي ضرَبَهُ اللهُ في مُحكَمِ كتابِه مِنْ ثلاثةِ قُروءٍ.
وإنَّما أمَرَ أنْ يكونَ الطَّلاقُ في الطُّهرِ قبْلَ أنْ يَمَسَّها لمَعنيَينِ:
أحَدُهما: بَقاءُ الرَّغبةِ الطَّبيعيَّةِ فيها، فإنَّهُ بالجِماعِ تَفترُ سورةُ الرَّغبةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute