للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ : وتَنازعُوا في علَّةِ منْعِ طَلاقِ الحائِضِ، هَلْ هُوَ تَطويلُ العدَّةِ كما يَقولُه أصحابُ مالِكٍ والشَّافعيِّ وأكثَرُ أصحابِ أحمَدَ، أو لكَونِه حالَ الزُّهدِ في وَطئِها فلا تَطلُقُ إلَّا في حالِ رَغبَةٍ في الوطءِ؛ لِكَونِ الطَّلاقِ مَمنوعًا لا يُباحُ إلَّا لحاجَةٍ كما يَقولُ أصحابُ أبي حَنيفةَ وأبو الخطَّابِ مِنْ أصحابِ أحمَدَ، أو هوَ تَعبُّدٌ لا يُعقلُ مَعناهُ كما يَقولُهُ بعضُ المالكيَّةِ، على ثلاثةِ أقوالٍ (١).

وأمَّا ابنُ القيِّمِ فقالَ: قَولُكُم: وكانَ ذلكَ تَطويلًا عليها كما لَو طلَّقَها في الحَيضِ، قيلَ: هَذا مَبنيٌّ عَلى أنَّ العلَّةَ في تَحريمِ طلاقِ الحائِضِ خَشيةُ التَّطويلِ عليها، وكَثيرٌ مِنَ الفُقهاءِ لا يَرضونَ هَذا التَّعليلِ ويُفسِدُونَه بأنَّها لَو رَضيَتْ بالطَّلاقِ فيهِ واختارَتِ التَّطويلَ لَم يُبَحْ لهُ، ولَو كانَ ذلكَ لأجْلِ التَّطويلِ لَم تُبَحْ لهُ بِرضاها، كما يُباحُ إسقاطُ الرَّجعةِ الَّذي هوَ حَقُّ المُطلِّقِ بتَراضيهِما بإسقاطِها بالعِوضِ اتِّفاقًا، وبدُونِه في أحَدِ القَولَينِ، وهَذا هوَ مَذهبُ أبي حَنيفةَ وإحدَى الرِّوايتَينِ عَنْ أحمَدَ ومالكٍ، ويَقولونُ: إنَّما حَرُمَ طلاقُها في الحَيضِ؛ لأنَّهُ طلَّقَها في وقْتِ رَغبةٍ عنها، ولَو سَلَّمْنا أنَّ التَّحريمَ لأجْلِ التَّطويلِ عليها فالتَّطويلُ المُضِرُّ أنْ يُطلِّقَها حائضًا فتَنتظِرَ مُضيَّ الحَيضةِ والطُّهرِ الَّذي يَليها ثمَّ تأخَذُ في العِدَّةِ فَلا تكونُ مُستقبِلةً لعدَّتِها بالطَّلاقِ، وأمَّا إذا طُلِّقَتْ طاهِرًا فإنَّها تَستَقبِلُ العدَّةَ عَقيبَ انقضاءِ الطُّهرِ، فلا يَتحقَّقُ التَّطويلُ (٢).


(١) «مجموع الفتاوى» (٣٣/ ٩٩).
(٢) «زاد المعاد» (٦٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>