للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّامِنُ: أنَّه قالَ: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ أي: وَصلْنَ إلى آخِرِ المُدَّةِ، فإنَّ الأجَلَ هوَ آخِرُ المُدَّةِ، والعدَّةُ مَجمُوعُها، ولِهذا قالَ تعالَى في الآيِساتِ: ﴿فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ﴾، وقالَ: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾، فجعَلَ الأجَلَ وضْعَ الحَمْلِ، ولَم يَجعلْ ذلكَ عدَّةً؛ لأنَّ العدَّةَ ما يُعَدُّ، وهي المدَّةُ الَّتي تُعَدُّ، وأمَّا الأجَلُ فهو آخِرُ المُدَّةِ.

ولهذا دلَّتْ هذهِ الآيَةُ على أنَّ الحامِلَ لا أجَلَ لها إلَّا وضْعُ الحَمْلِ، سواءٌ كانَتْ مُتَّوَفى عنها أو مَدخولًا بها، ولهذا قالَ ابنُ مَسعُودٍ: «أَشهَدُ أنَّ سُورةَ النِّساءِ القُصْرَى نزَلَتْ بعْدَ الطُّولَى»، ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾، وقالَ سُبحانَه: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ لأنَّه إنَّما يُخيَّرُ بيْنَ الإمساكِ والتَّسريحِ عِنْدَ آخِرِ المُدَّةِ، بخِلافِ أثنائِها؛ فإنَّه لا يُسرِّحُها حِينَئذٍ، وهذا إنَّما يكونُ في الرَّجعيَّةِ.

التَّاسِعُ: أنَّه خَيَّرَه بيْنَ الإمساكِ والتَّسريحِ، وليسَ المُرادُ بالتَّسريحِ هُنا تَطليقًا بائِنًا باتِّفاقِ المُسلمِينَ؛ فإنَّ ذلكَ لا يَختَصُّ ببُلوغِ الأجَلِ، بلِ المُرادُ بهِ تَخليةُ سَبيلِها، كما قالَ: ﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٤٩)﴾، فأمَرَ بتَسريحِ المُطلَّقَةِ قبْلَ المَسيسِ، وتلكَ ليسَتْ رَجعيَّةً ولا يَلحقُها الطَّلاقُ الثَّاني، وإنَّما المُرادُ تَخليةُ سَبيلِها وإزالَةُ يَدِه عنها، فإنَّ لهُ يدًا على الرَّجعيَّةِ، فإذا بانَتْ لَم يكنْ لهُ عَليها يَدٌ (١).


(١) «جامع المسائل» لابن تيمية (١/ ٢٧٥، ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>