للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحَدُها: أنَّهُ قالَ: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ إلى قولِهِ: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾، ومَعلومٌ أنَّ هذا لا يكونُ في الطَّلاقِ الثَّلاثِ، فإنَّ الثَّلاثَ لا إمساكَ بَعدَهنَّ، وبعدَ الثَّلاثِ لا يُحدِثُ اللهُ للزَّوجِ رَجعةً بدُونِ رِضاها، ولهذا قالَ غيرُ واحدٍ مِنْ الصَّحابةِ والتَّابعِينَ والعُلماءِ -كابنِ عبَّاسٍ وجابِرٍ وفاطمةَ بنتِ قيسٍ- وفُقهاءُ الحديثِ ومَن وافَقَهُم مِنْ العُلماءِ: إنَّ هذا في الرَّجعيَّةِ.

الثَّاني: أنَّ قولَهُ: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ﴾ إذنٌ في مُطلَقِ الطَّلاقِ، ليسَ إذنًا في كلِّ طلاقٍ، ومَن ظنَّ أنَّ هذا عامٌّ فقدْ غلَطَ ولم يُفرِّقْ بينَ العامِّ والمُطلَقِ، فإنَّ قولَ القائِلِ «كُلْ» و «بِعْ» ونحوِ ذلكَ إذنٌ في مُطلَقِ الأكلِ والبَيعِ، لا يَتعرَّضُ للعُمومِ لا بنَفيٍ ولا إثباتٍ، ولهذا لَم يكنْ تقييدُ هذا المُطلَقِ رفعًا لمَدلولِ اللَّفظِ ولا نسخًا لهُ، وإذا لَم يكنْ فيهِ عُمومٌ فهوَ لم يَأذنْ إلَّا في الطَّلاقِ الَّذي وصَفَه، وهوَ أنْ يُطلِّقَ للعدَّةِ وأنْ يُحصِي العدَّةَ ويتَّقِي اللهَ، وأنَّه إذا بلغْنَ أجَلَهنَّ أمْسَكَ بمَعروفٍ أو فارَقَ بمَعروفٍ.

وهذهِ الصِّفةُ إنَّما هيَ في الطَّلاقِ دونَ الثَّلاثِ، كمَا أنها إنَّما هيَ في الطَّلاقِ لاستِقبالِ العدَّةِ، فمَن طلَّقَها حائِضًا فلَم يُطلِّقْ كما أمَرَه اللهُ تعالَى، كذلكَ مَنْ لم يُطلِّقِ الطَّلاقَ المَوصوفَ بأنَّ صاحِبَه لا يدرِي لعلَّ اللهَ يُحدِثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>